الثلاثاء، 20 مارس 2018

نصوص فيسوافية









جفن الليل لا يرفُّ 
انتظرتُ كي يرفَّ جفن أُمي
ويأتي البعيد المنسي بين الركام 
لكنَّ المئذنة كانت تنحني للبحر
تصبُّ في أذنيه 
أغنيات الصباح العاري
من شالات الشمس .
للسابلة التي تنداح كل فجر إلينا
تتسرب من أصابع الماء
كالملح إلى كل بيت
ومقهى 
وحانة 
وشاطيء 
هذه الملقاة من عاتق السماء
لم يكن حزنها كافياً
ليغسل قلبي بالبحر .
ويجعل النوارس تستقر
على كفي..
كما يتمدد الميناء 
فوق سرَّتها ...
هذه السادرة الغائبة في التيه
وفي شصَّ المزاج 
كلنا خلف بحرك غرباء
نعاكس أنين الليل 
والليل هنا فارع الطول 
خيَّم فوق صدرك مستعمرات اغتراب
كلنا نبحث عن عيون إلزا فيك
كي لا تأخذنا مراسم الموت اليومي 
و لا تعزفنا موسيقى الغياب
عن أناشيد الحضور
كلنا غرقى نتساقط من النوافذ العتيقة 
تنتفض بين أيدينا مزامير اللغة 
وتكتبك بوجع بعيد....
آه ما أطول الليل الحزين ( يا بنغازيا )
ما أكثر من يتمددون العراء 
في القطف ...
وعلى حواف الشتاء..


الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

غزل






 

في القلب ، في العقل ، في أروقة الروح ، في سُرادقات حزني ، و أعشاش فرحي أنت ، تتصدر آيات الصباح البكر ، تسرى في معارج النهارات الممطرة ، حتى إذ ما بلغت ذروة البحر ، توسدت أفق المساء ، وبدأت تتلكأ بين جوانحي بنعومة حضورك ، و رقة إطلالتك ،   أجنيٌّ أنت تسربل من السماء ، وتسلل إلىَّ ؟ ، فمسَّني منك طائف عشق ، دوُّخني ، أسكرني ، دوُّرني حتى الثمالة والخبل ، وما كدتُ أفيق من نشوة رؤياك ، حتى باغثني منك بارقٌ لمع من سنا ثغرك ، و لاح منفرجا عن ابتسامةٍ ، اصطفت نواجذها لتأسرني ، مُصفَّدة بأغلال صوتك الملائكي ، وأفصحتْ عن غمازتين محفورتين عند حدود خديك ، فكشفت عن أخاديد ناء بها الحزن قرب مضارب النظر ، اختارتْ زوايا بعيدة من ملامحك لتخبر عن عزيز قومٍ ، استعصت دموعه بكِبر وصبر ، و آنفتْ عيناه بثِّ حزنها ، فتحجرتْ مآقي الدمع مخافة أنْ تنشب مُقل الفضول أظافرها فيها ، فكأنَّ كأنَّ تقاعست عن دورها حين أردتُ تفسيرك ، وكأنَّ ليت تنازلت عن تمنيات قلبي ، فأسلمتْ أطراف أمنياتي إلى لعل حتى كفَّتها (ما ) عن توقي لوصفِِ مُتممٍ لمحاسن دارتْ في رحى الروح ألغازا عنك ، و أسدلتْ ستار غموضها عن ملامسة رقيق طبعك ، وشفيف روحك ، فآيستني اللغة كلما بدوتَ وبدا لي جمالك شاخصا ، خرَّت بلاغتي ساجدة في محرابك ، مُسلِّمةً اعترافاتها بأنك الشاخص الذي يتراءى ، والظاهر الذي يتوارى . 



أنا منسية ...أنا حرة في خيالي













الأحد، 17 ديسمبر 2017

بورتريه




مازلتُ سنبلةً تسكن الفرشاة الثملة ، والعينين اللوزيتين ، أُُمُّاً لجدارية تتصدر الحائط ، تعبر لغات القرون السحيقة ، لتخبر عن رحلات رحمية مرَّت فوق جبين الحائط ، الحائط المتهالك الذي تصَّدع قلبه ، وتهدَّلت ملامحه ، و تشقق وجهه 
ساقطا في لوعة التوسلات من بكاء على أوطان لم يرأب صدع شقاقها الزمن .

سأحلم بأنْ أجفف مآقي الدراق ، وأكتبُ اسمي على صدر ورقة توت تتأهب لكتابة تاريخية ، عن أسماء تمَّ قطافها من شفاه الزيتون ، عن أرواح غادرتْ وهي تحاكي الطين ، عن وعود عالقة في عناقيد انتظارها ، عمنْ اندثر بهم التراب ، وهم يحاولون رسم الملامح لملحمة خلودنا ، عن تميمة علقتها في عنق حبيبي ، لعل الصبَّار يتوقف عن النمو في قلبي ، فتزهر حدائقي الغنَّاء.

مازلتُ خضراء الروح ، أتوهج كلما أضاء جناح العنقاء ، منذرا بالانبعاث من أمم الرماد ، أندس في فم عصفورة ،و أتسربل قبلة من عشِّ ، متى ضاق به غصن الشجرة ، ارتفع وحلَّق للسماء مانحا الفرشاة لغات الكون ، ولهجات اللون ، تراصفت منذ الأزل ، لتخطَّ تقاويم تسربلت كجداريات خِيطتْ بأنامل حريرية .

مازالت فرشاتي ترسم ، تتعثر فوق البياض ، تسقط في فخاخ الإلهام ، تنصب مصائد البورتريهات فوق الملامح العابرة ، تلك التي تتحدث لهجاتي كإنســـان .


الجمعة، 15 ديسمبر 2017

لهجــــات .








أنا التي أسرجتُ حصان الليل ، و أطلقت العنان لخيولِ السؤال نحو مُقل الإجابات ِ، أدورُ بين حانات المدينة والمقاهي الملقاة على أكتافِ الرصيف تائهةً ، أُشعلُ فتيلَ الغياب لأبحثَ عمن تاهوا بين مسارب المسافات والغبار ، أترك بدايات النهار لعبور الضوء ، مُحلقة ً على جناح عنقاء ، انبعث جسدها من أمم الرماد !




مازلتُ صديقةَ الوحدة ، رفيقةَ العتمة التي لا تسمح للضوء بالتعارف معها ، مازلت ُأرافق الأواني الغارقة في لهجات الطين ، أستحضرُ في هدوئها حديث أمي ، ولغة الصلصال ، مازلتُ صديقة الشجرة العجوز في حديقتي ، أُُسند رأسي إلى هيكلها العظمي ، و أعدها ألاَّ أحولها لمقاعد ومناضد حزينة ، مازلتُ أغمرُ كفي لأغيبَ في تواريخ التقاويم ، أبتسمُ عن يومٍ ذهب كورقة خريف ٍمُصفَّرة ، أتذكرُ فيه مَنْ حملوا أمتعة الرحيل إلى مدن لا تنبس ببنت شفة ، مدنٌ تخضع لمناسك الغبار ، وطقوس السكون الأبدي !



أنا التي تركتِ اللوحات عالقةً على الجدار ، أحاديث لبيكاسو قتلتها رهبانية السؤال :

عن القتلِ ، عن الخراب ، و الهجرة ، و الفراق ، عن الرحيل ، وعن الإرهاب ، 
عن أعشاش بلا طيور ، وبيوتٍ حاصرتها شيخوخة التراب !


أنا المبللةُ بأحاديث المساء ، وحنين الصباحات الغائمة للمطر ، اشتياقُ العصفور للنافذة ، توقُ الكرسي الوحيد على الشاطيء لحديث الغريب ، اجترارُ الذكريات لموج البحر ، اكتراثُ الأزهار الذابلة للبلل !

مازلتُ أغردُ خارج سرب الوقت ، أحملُ ظلي على الرصيف المعبأ بأسئلة المارة ، و أبارك علاقة العشق بين كرسي المقهى وعمود الإنارة القريب ، مازلتُ أُجالس المناضد الوحيدة ، الغائبة في عتاب الغرباء ، أدندنُ لها بموسيقى الناي ، والعود ، والكمان ، أصيخ سمعي لشكواها ، ثم أعترفُ لها بأنهم أبناؤها الذين سلبناهم عنوةً من لبِّها ، مازلت أشبهُ ظلي ، أتسربلُ في المدن الضائعة دونما هوية مكان ، أمضي ويقيني في قلبي ، أنني إنسان ...أنني إنسان ...

الثلاثاء، 5 ديسمبر 2017

مازال الله يرانا




 يقول لي حبيبي تعالي 
لنقتل كل يوم سياسيا من بلادنا
نشرب من دمه ...
ونقوم بترحيله إلى المقبرة 
تعالي نسقي بالمطر
تربة هذا الطين 
ونبارك للسماء قبلاتها له 
يا حبيبي ...
مازالت الحرب كآلة الكيتشن
تطحن قلوبنا ..
وتزعجنا بنفيرها كل يوم
مازالت المآذن تخون صلاتنا 
وتعقد صلحها مع نواطير الليل
مازالت وسائدنا تهزم أحلامنا
ومازلنا نسقي نباتات يومنا 
بدموعٍ ...
وشِعرٍ ....
نتسلق أسوارنا لنعبر
ذلك السياج المكتظ 
بالحقد و القهــــــــــر
ياحبيبي ...
هذا العالم ذئب كبير
يلتهم بلادنا على مهل 
قال لي الله ...
هذه الأرض مِسك الجنة 
في أرضـــي ...
أنَّها آخر نبيات السماء....
رأيته يتجول في طرقاتها
يطلق يده الرحيمة 
في شوارعها,,,
ويسبغ عليها من عطفه
ما يكفي لأن نضخَّ
منه أطنان حب لهذا 
العالم الشائك ...
أريد أنْ أكنس الحزن 
من مقلتيها ...
و أضيء عينيها بقناديل
تشعل ظلام الطريق...
أريد أنْ نرسمها 
بعيون تحب الزهور
وقلوب تقامر الشمس
كي تظل في معراج
الشروق ..

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

أنا و فيسوافا








تقول لي فيسوافا 
تعالي نحرث في الهواء 
ذلك الدخان المتصاعد للسماء
ونُمشِّط شعر الغيوم 
ربما سنبدأ بداية أخرى 
تنظف المكان 
من قمامة الحرب 
كانت فيسوافا تنمو في قلبي 
كأصيص يفترش الضوء 
ويصلي صلاة الظل 
كلما توضأت بقصيدةٍ
تشكلتْ على شفتيَّ 
بلادٌ من اليقطين ...
مازلتُ أركض وراء ظلي
ألعقه كبرتقالة متجعدة
من خشونة الحرب
أعيد تلقيح الأفكار المُهجنة 
أحولها إلى منمنمات صالحة 
لشرب الحياة 
أتقيأ كسادنا الأخلاقي 
على سبورة مدرسة .
في بلداننا يا فيسوافا 
السياسي سمكري 
صاحب خيال خصب 
يعتقد أنَّ بلادنا الكبيرة 
مجرد سيارة أهداها له والده 
بمناسبة نجاحه في الانتخابات 
لذلك مازال يمكنه أن يقودها
إلى سوق الخردة ....
حيث لا أحد يمكنه تنظيف المكان !
هامش :مستلهم من قصيدة فيسوافا شيمبورسكا البداية والنهاية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا وفيسوافا 
من مجموعتي نصوص فيسوافية