الجمعة، 21 أكتوبر 2016

أريدُ طواحين هواء تدور من أجلي







*أحملُ علبة تلويني ، وفرشاة ، وقلم فحم ، ورصاص ، وجير ، ألفُّ شعري كعكة مدورة على قمة رأسي ، أنزع أقراطي ، أجهز روحي لطقوس الكتابة ، يغريني قلم الكحل الأسود ، فأخط به جفني ، و أمرره على الحسنة الخفيفة أعلى شفتي جهة اليسار ، ثم أكمل وضوئي الرومانسي بأحمر شفاه أحمر ، أجعله يبدو جاهزاً للفرح ، لطقوس الهروب ، لبساط ريح يحملني فوق كفيه ، أو كتفيه ، أو على رحاب صدره ، مالفرق ؟ ريثما تطلق الحياة سراحي ، سأكون قد أنشأتُ حقولي ، و أطلتُ في عمر نباتات ظلي ، و هذَّبت شعري دون الحاجة لصالون التجميل ، ريثما تطلق الحياة سراحي من عنق الزجاجة الذي علقنا فيه جميعاً ، سأشتري فستاناً بدون أكمام ، مصمم لامرأة سعيدة مثلي  ، أفكك أزراره ، و أترك للندوب التي تقبع في سكون الحرب فوق عنقي عارية ، يشهد على أنينها خواء عقول ساستنا  الرهيب  ،  سأشتري حلوى غزل البنات ، كطفلةٍ تنتظر البائع ، تحمل نقودها في انتظار العبور العظيم ، العبور الذي يتلخص في تلوين شفتيها بالأحمر ، أتناولها و أنا ممتنة للزمن الذي كفل سلامة البائع الجوال في حانة الشارع ...

*بكم يبيعون الضمير يا دون كيخوت ؟
أريدُ طاحونة هواء  تدور من أجلي ، تجعلني أعبر مسافات الحلم ،  أختصر دوران الطائرات الليبية حول العالم من أجل تحقيق التوافق ، في قرية ليبية صغيرة ، و أوفر مصاريف الفنادق الشاهقة والمترفة في مربوعة بسيطة لقروي حلمه العظيم وصول خط الانترنت لقريته  ، هذا الذي يستقيل من أجل سعادته عظماء السياسة في الغرب ، أريد طاحونة  تضخُّ الأموال الطائلة إليها ، وتبعثر أطباق السوشي الكاذبة ، لتضعني أمام  طبق ليبي شعبي ، نتحدث حوله بلغتنا البدائية ،وبملابسنا الشعبية  و نوجِّه أصابع الاتهام لبعضنا دون تكلف ، نعري جلودنا ،  ننزع الأقنعة المزيفة ، نُخرج الأزمات المختزلة في صدورنا ، الاحتقانات التي خلَّفتها الإبر المخدرة ، الجفاف ، والأكزيما ، والنزف ، والندوب ، والعار ، لنشتري ليبيا ...

* آآآه يا دون ....أريد حلماً نبيلا ً ، لا أحد يستطيع أن يسلبه مني ...
 يهبني السكون مقابل ابتسامة امتنان لا أهبها لأي كان ،  يحملني فوق مناكب حلم يتراءي لي فيه أنَّ ليبيا ملكة جمال الكون ، وتاج ملوك المدن ، و تمثال عشق ، و أيقونة الفرح في هذا العالم المليء بالأوجاع حتى نخاع الماء ....

 *أطلي مدينة الملح بلون السبخات الأبيض ، و أشرع النوافذ نحو الجهات ، أبني للطيور أعشاش فوق باحاتها العتيقة ، أُعطر شوارعها برائحة الحنين ، وحكايا السرد الشائقة ، أفتح بيوتها باباً باباً لأروي قصص البيوت الغائبة في عتمة الزمن ، لا أريد أن تغرق بلادي في الحزن ، وهي مازالت شابة صغيرة ، لا أريد أن ترتدي ليبيا عباءة ليست على مقاسها ، ولا ثوباً قماشه  مصنوع خارج حدودها .....

*من لي في هذا الليل غيرك ؟، أتعايش على صورته ، و أقتات الحياة من مضمون معانيه ، و أتسربل كحكاية  تمضي بين الأزقة ؟ ، لتسرد أمانيها في بساطة عميقة ، من لي بهيرودوت ليعيد على مسامعي كيف كانت ليبيا !، ويستحضر بين دفتي التاريخ الأرواح التي عبرت أزمنة  المجد الليبي ، وتركت أسماءها عالقة دون أن يطالها غبار النسيان ...!!

*من لي بكفِّ دافئة تعتقني من إصفرار هذا الخريف ؟، تعيدني من زمن الغياب إلى آنية الحضور ، تغربل ذكرياتي في ألبوم يحتويني ، وتحضرني في إحدى صفحاته صورة دون كيخوت ، وهو يطوي يقينه في قلبه ، ويمنح روحه لطاحونه تدور به في رحى الهواء النقي !؟

* سأهرب لمرافيء مهجورة ، كي آمن على قلبي الصغير من براثن الرهاب ، أتزين بإسوارة غدامسية ، أمتطي حصاناً أبيض ، أُطهر العالم بمسحوق الطيبة ، أنثرُ باقات الورد ، أطلق سراح اليمامات الأسيرة في أبراج المدن المحتلة ، أحرر المآذن الصامتة  ، الغارقة في دهشة تغير أحوال الائمة ، أزرع المزيد والمزيد من الياسمين ، و الريحان ، و الشماري ، و البطوم ، والخروب اللذيذ ، والإكليل ، والورد البلدي ، أُحيل حزن الشوارع النازفة إلى ابتسامات ، أتركها تنمو حتى  تتكدس ، و تملأ موانيء ليبيا ، ثم أشحنها للعالم ، و أكتب على صناديقها : ابتسامات فرح لعلاج حزن العالم ، مدة الصلاحية " مادام هنالك أمل ، بلد المنشأ : ليبيا ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق