الثلاثاء، 31 مايو 2016

مــا قبــل الرحـــيل دمعة





مَنْ يعبرُ بي إلى ضفة الاحتمالات الأخرى... 
دون أن يلمس كبريائي المُثقل بجراحها بنغازي؟


يتذوقُ ملوحةَ دموعي كل أيامها، ويتناول قهوتي المرة عني، يعترف له في مرآته أنني مُصابة بهوس الكتابة، وجنون بُنِ صباحي، المُرتسم على سماء بحرها الحزيـــن في جذوع ذاكرتي ـ المُرساة في أصلاب عقلي، حيث قتلتُ عمداً بعضاً من ذكرياتي، وشنقتُ فوق مقصلة حزني المزيد والمزيد من مدوناتي، ونفدَّتُ أحكاماً غيبية عني، وارتديتُ تنورةً قصيرةً دون إذن أمي، وفتحتُ أزرار قميصي للريح، من وراء أبي، وسرَّحتُ شعري فوق موجة جليانية، مُعلنةً  ذبحي من الوريد  للوريد بيدي....


شهيــــــــــدة أنا.....
كم تركتُ للقدر فرصة أن يقدِّني من عفويتي، ويُخلي سبيل وجهي من حيائي، لعلني على يديه أُبعثُ من جديد، و دون اعتبار لعتاب وجهي بالمرآة أُطلقُ سراحي فيِّ، أتركه ينسابُ مني،  ينخلع من أناتي، في ومضة فرح، وشهقة أمل ـ حطَّتْ روحي على نافذة الوجد، متسائلة عمن سيرحلُ بي من حيني...


مَنْ  سيهتمُّ أنني  كنتُ هنا؟، أغتسلُ من أوجاع الكلمات المقروءة، أترجم ُ الألم أملاً وراء أملٍ، أذهبُ بكعب الرجاءٍ، وأعودُ بخفِّي الخيبة...


أقرأُ مقالاتٍ، وأشعار، ومشاجرات، ومشاحناتٍ، ثم أعودُ ثكلى، من مستقبلنا المهترئ، بقدامة أفكارنا، وشره عقولنا للاختلاف، وهوِّة جهلنا، وبضراوة ٍ أُمسكُ قلمي ـ وتشرعُ  يميني في خط جفن أوراقها البيضاء، يكحلها قلمي الأسود، من يأبهُ بأنْ أتألمُ لعبارة كتبها لي؟ أو تجاهلٍ تعمَّده؟ أو ألم تسبَّبه لقلبي المرهف، لا أحد سيقول أكثر من اسمي، إذا شعر أنه سيحدِّثُ العين في عينها، والزاي في زينها، والتاء في توريتها، لن ينتبهوا لغياب عطري، أو يتذكروا تاريخ مغادرتي، أو يتفقَّدوا  قائمة الموتى، ليُعزوا قصائدي في غيابي...

غريبةُ الروح،  والناس حولي....


مُقيدة بإسكفة حزني، وخلاخيل عزلةٍ  تلفُ طوقها حولي، وحدها قصائدي تفهمني، وحدها تنفضُ عني غباري وحدها تعرف أين موضع  الشوكة في قدمي، وكيف تشرأب من لوعة يقيني، لأجلها ألتحفتُ بُردة الهجران، سعيتُ بين صفا، ومروة كلماتي، طوَّفت عشقي على وريقاتي  في ردهة بيتي، كتبتُها شوقاً على جداري، محفوفاً بفراقها الندي، وماء رحيلي لازال يغسلني لهذه اللحظة،   ثم غادرتُ  إلى نومي، حيث سيرتمي الليل بين أحضاني ـ طفلا فطامه عمري بأكمله، سأظل ـ ما حييت - أحتفي بشرعيته لي، طالما حرَّمت عيناي عشق النهار من بعدها!...


وأنت ِ يا سمراء  السَّمر والليل....
يا من تشبهين ألمي.....


مَنْ سيأبهُ بأن يُلملمُ جراح الثكالى مثلك، الحافيات على رملها، الماشيات فوق صفيح ساخن من الفتنة، والعذاب، والألق، الفاقدات أرواحهن بعد لظى الفراق الذاهلات عن مراضعهن، الحمَّالات لحطب جهلنا، ليبيات ما فرقن عنا في شيء، سوى ملاحة وجوههن، وسماحة لسانهن، ولكنة لهجتهُن  المغرية، وغزل أناملهن، لجميل الطوق، والأسورة، تاورغيات، لا سعيدات، ولا قريبات، يتفيأن الظل، مِنْ مدينةٍ لمدينة، السكين مغروزة في الخاصرة. ومبادئ الفتوى، قاصرة عن الاحتواء، تحذو مناهج العنصرية والإقصاء...

الدخان ملأ الأنحاء، والكلُّ يترصد الكلَّ، والجمال يُسحق بلا لطف بين أيدينا، والورد يختنقُ من قسوة  أصابعنا، والبنادق تماهتْ  شكلاً آخر، فتصيَّرتْ ، الكلمات رصاصاتٍ و الباقات قذائف، البيانات فتاوىً، والأفراح كذبةً، والنصر سراباً، والعودة حلماً .مَنْ سيفك قيدي مني، يتركني أبكي لديه، دون أنْ يسألني كفاف الدمع أو يطلب جفاف نبع  عينيَّ، لا أحد  في بلادي يستحق ُ الحب، منذُ خان رجالات بلدي حبيباتهم، وسخروا من عواطفهن، باعوا حبيبة الكل  بأبخس الأثمان، واطلقوا ورائها قطعان الذئاب...


مَنْ يصدح بأغنيات الوطن، وقد هُجِّرت بلابله، وأُلجمتْ أفواهِ شعرائه، نتشدقُ بقمحنا، وشعيرنا، وما من خبز لنأكله، يمنحنا شعوراً بكفاف عيشنا، أو شكر ربنا أو حمد نعمتنا، قشِّات كثيرة قصمت ظهر بعيرنا، وأناخ به ساستنا عن جادة الصواب  نتفنا شعرة معاوية، وتجردنا منا، وخلعنا عنا ثوبنا، فكشف مخيطنا ومحيطنا لأي درجة كنا عُراة من ضمائرنا، وصنو فطرتنا...


سأفتح يا حبيبي أيقونة الرحيل، و أشدُّ النجمات من أُّذن الليل، و أهرقُ ما تبقى من كياني، مُبددةً عمري في إحصاء تجاعيد وجهك، وقراءة معالم الشيخوخة على ملا محك التي أعتقها وجه  النهار من ليلي الطويل، واعدة  إياك أن أرجم  حضورك الآني، من زمنك الفاني، لأكمل حياتي في كتابة اسمك على   مدونات العتاب...



مَنْ يعيدُ لي هدوئي، وثمالة سكينتي، وأنا أنتفضُ من ريشي، قشعريرةٌ تستبدُ بجسد أنوثتي، تحيلني لكتلةٍ ذائبة من الوجع، تجرأ الأسى على نسغي، وفتت.... الرجاء في قلبي، وتواطأ الرحيل بأهلي مع دمعي الحِرير، فما ترك لي هدباً، إلا وتكحَّل بإثمد الغياب...
مَنْ يرحمني من حرقة قلب، صبَّته الصبابة في جوف روحي، و أبقته فوق جمرةٍ شكَّها عود عوسج، نما من روح صبَّارة في واحة ٍ اعتزلت سرابها، فيا ماءها، و يا عذوبة مذاقها، ويا ظلها النقي، ويا وجد روحها، أبلغي عني نخلاتك العصماء، أنَّ عمىً تكلل بعينِّيِّ لما مررتُ بها، وناء القلب بطرفه عنها، يسألُ  عمن  يسكنُ بها من الأحباب...

ما قبل رحيلي دمعة تحفَّها عيون الوجد مني، يا من تفننتَ في سحق جميل أمنياتي على صوت هديلك، طيَّرت اليمام من على كتفي، بعد أن رام رائحة عنقي، رحلَّتني  لعزلتي من جديد، ما آليت عليك جهداً، إلاَّ وترجمت فيه أناي، ورفعتَ عني غطاي، وشممتْ جنائن عبيري، وتنسَّمت شذاي، ثم قلت أنَّ ضوء النهار من عزتها، واستعارتْ من روحها عبارتها، فعقلتُ روحي من هنا، وتوكلتُ عليك، في كتابة مخطوط جميل عن فراقي...


حينها سلِ الفراق لِمَ ترك للرحيل فرصة الرحيل، و لِمَ لمْ يتلكأْ كعادته، في حزم أمتعتي هذه المرة، حافيةُ القدمين دخلتُ بابك، ظننتُ أنه الحلم تهيأ لي في ومضة برق، صعقتَ ابتساماتي ببارق سناك، وأمطرتَ سحائب كِبرك عليَّ، صببتني لمَّا في وجعك، وجمعتني همَّاً في ألقِ التفكير بك ، أدركت ما أدركتَ من حزني، وكتبت ما جاز لك من عدد اسمي، ودون شعور منك قرأتَ الفاتحة على موتي، ونسيتَ البسمـــلة على روحـــي...



أعيد نشر هذا النص حزنا على وفاة السجينة التاورغية فوزية عمران شلغوم تحت التعذيب وبعد الاغتصاب مرات ومرات 

الثلاثاء، 24 مايو 2016

حالة توحُّد







المساء الذي لا يضيء بك 
يعمى عن رؤية نجومه 
تنهمر شفتاه بكاء من غيابك 
ها أنا 
وحيدة أتدلى من مقصلة الليل
على مشنقة الشوق لرؤياك 
أغرق في عشب الليل
بعدما زحفت نباتات الظلمة لجسدي
توحَّد غابة العزلة 
وطفق يخصف عليه من أوراق رحيلك!

من لي بوجهك الغائب في الزحام ؟
من لي بنهار يشرق بمجيئك ؟
و ذكرياتي  آيلة للسقوط في فجوة فراقك 
تفتح أزرارها للريح 
وتشرع نوافذ الفقد والبكاء 
على هذه البلاد التي بيَّض أهدابها 
الحزن ...
و قشَرها الملل في طوابير الانتظار !

لست وحيدة هنا ....
 فهذه العيون التي فقأها الرحيل
تريد  عيداً  للفقد ....
عيداً للبيوت التي تركتنا و اختارت الركام !
عيداً للذين أكلهم التراب كرهاً !
عيداً  للصور التي اختارت السكون الأبدي 
بين أحضان ألبوماتنا 
عيداً للتوحد الذي يذهب معنا للنوم 
ويدفن أحلامنا في الوسائد المبللة بآهات 
اللقاء !




الأحد، 22 مايو 2016

بكم سيبيعون الوطن ؟




  مثل  فارس خانه توقيت المعركة 
أ و ساعة واقفة على ساق واحدة 
 لتعلن موتها .....
 على حائط الذكريات القديمة 
يتوجني الحزن ملكة روحي 
 في مملكة العزلة !

وحدي أُحصي تجاعيد الزمن المهتريء 
و أُقدد من انتظاري لوحات الأسى القادمة
التي منحت آدم المزيد من حقوق الذبح 

لسنديانة واقفة في حديقتها.....!
لصفصافة تمدُّ عنقها للسماء !
لبطة تدرب صغارها على المشي !
ليمامة تحتضن بيضها في العش !
لأم تحمل أطفالها للمدرسة !
للطين المنسي في الأرض !

بيني وبيني الحزن علاقة مشبوهة 
وليل يحمل فوق أكتافه المترهلة حكاية 
المدينة التي تفتح نوافذ النهار للهواء الكاذب
للحرية المنفوخة كبالون بدين
للديمقراطية التي شربنا بسببها ماء البحر !

برنيق يابنة الملح
@ ............ الوطن 
ها أنت تسرقين  حواسي من تحت مسامات جلدي 
تلفظين أنفاسي تحت الماء 
حين لا يأتي الوطن 
وحين يهرب من النافذة 
وحين نكتشف أنه خرج من قبعة الساحر 
واختفى فجأة في ظلامها 
  ليبدأ العد التنازلي في أسواق النخاسة 
 بكم سيباع الوطن ؟
 بأحلام اللحى الطويلة ؟
أم بالفتاوى المستعجلة ؟
أم بحكومات من  ورق ؟

من نصوصي 2016




أهـــــــــــداء لكل قرائي و أصدقائي......

للموسيقى سحر مُلهم

لأية ملاحظات على المدونة أرجو مراسلتي على  :

smra.khayali666@gmail.com

أو 

zeezenya27@yahoo.com 

كل الحب لكم 

السبت، 21 مايو 2016

الفتى الوحيد الأسمر 2












جنوب عينيك شامة سمراء وحيدة ، تتوحد الليل متغزلة في ملامحه المجهولة ، إنها شامة فزان الوحيدة ، جنوب شفتيك تفاحة العشق ، تستدير كواحة ترتع بين أحضانك ، يشرأب لها عنق الوطن ، المتعطش لعذوبة ماء شفتيك ، تلك واحاتك المغمورة في طيبة الرمل ، المنسية في قاع عينيك ، جنوب خديك يا فاتني غمازتان من لهفة ، سبها وقد شابها حنين القرضة ، و تخلل حديثها الشهي بدعة ِالعتاب المليح ملاحة روحك ، جنوب عنقك شريان يضخ قصائد فزان للقلب ،هنالك أنا أقيم فيك نبضة شمالية ، ارتحلت كغيمة مع الرياح الموسمية  

أقبع فيك متدثرة بدثار الشوق ، بانتظار مطر يهطل بدهشة اللقاء ، تزهر من بعده بذور حنيني ، و تخضر أغصان فرحي ، و تتطاول كنخلة جنوبية ألقت بأحمال ظلها قرب واحةٍ غنَّاء


آآآه ، تعال  !
تعال واترك للزمن مهمته ، دعه يكملها على مهل ، ودعني أتسلق كتفيك ، و أتشعلق فيك طفلة صغيرة ، باقية وتتمدد بين أحضانك لمزيد من العمر أيها المعتق كخمر في كأس الليل ، كنبض في ترياق القلب ، كهوس في رائحة القهوة ، كجنون في حرقة الروح ، كنسيم في تلاعب الريح ، كثمالة ٍ في سكرة  الوجد ، كوجه أتلقفه اشتهاء وشغفاً ، حتى تسكرني رؤيته ، وتنضج دالية فرحي بك حين يكفُّ عنك نزف الوريد الجنوبي .


من مجموعتي نزف الوريد الجنوبي 

الفتى الوحيد الأسمـر







طال بك الغياب ، أيها الأسمر المندثر بدثار الصمت ، القابع في سكون الصحراء المهيب ، الساكن في وريد الوطن ، مخطوف أنت من مذاق الفرح ، مبعد عن عيون الوطن ،متوحداً ليله ، مشتعلاً في نهاره ، صاخباً في نزفه ، باكيا حتى بلغ النحيب أنين الرمل اللافح فوق سيمياء وجهك ، وحيداً ، أسير الشوق ، مكبلاً بالوحدة ، مكللا بالخوف ، عزيز النفس ، نقي الروح ، عميق القلب ، ماذا فعلنا بالوطن فيك ؟ أبقيناك كيوسف ، معزولاً ، نائيا ، في الركن القصي نسينا عذوبتك ،وشراهة طبعك ، وبحة صوتك الرخيم ، تجاهلنا موطيء قدم الوطن فيك ، شغلنا النواح الشمالي عن تذوق أهازيج فرحك وتحسس محياك الأسمر ، وتفقد طيبة قلبك النازف من الوريد للوريد

احبُّ الهواء الآتي بنسائم اسمك ، تفرح له بوادر حنيني لأناملك ، تهلل له كثبان الرمل ، وتتشكل بين يديه عروس السراب كيفما شاء لها نهارك الصحراوي الموسمي ، فكيف أشرع اتجاهات بوصلتي للريح ؟ و روحك تناديني صوب الجنوب ، أ أترك من يدي بوصلة الطريق ، و أتبع حدسي نحو الوريد الجنوبي ، أم أغمس روحي في شهوة سكونك ، لأتحسس مفاتنك بعد أن طالها نزف الوريد .

من مجموعتي نزف الوريد الجنوبي

السبت، 14 مايو 2016

وحدها عبرت الليل بغداد











منذ أن عبر التتار فوق صدر الفرات ، والمدينة الثكلى تنتحب ، تقضي الليل نائحة ،سادرة في سراديب التيه ، بعد أنْ شجوا رأسها ، وبقروا بطن نهرها ، رصفوا العقول صفوف كتبٍ ، عبرت فوقها الخيل الجائعة للهمجية ، لتصب في ماء العذوبة قدور دمٍ ، وتجلب مع رجلها شياطين الحضارة ومغول العقل لبغداد .

2 /
بغداد ..
يامدينة النور ، ونزف وريد القلب ، وشريان الحضارة ، هاقد أصابت جسدك الغض خدوش الحضارة التتارية الشمطاء ، لتترك الحزن شامةً على خدك الناصع :
الرصيف الذي لايكف عن السؤال !
الطريق الذي يرسم سيمياء صحرائك لا يتوقف عن ضخ الدموع !
بحار الدمع إلماضية إلى مزاريب بيوتك الصامتة !
التوحد الذي يقيم في ليلك المنتحب !
حبلك السري الذي قطعُّوا أوصال الوطن فيه !

3/ 
بغداد ......
منذ أن بكتْ النخلة الباسقة ، وقلوب الأمهات تتفيأ الظلال ، تستمع لنحيبها ، تهز أغصانها الحزينة ، فتتساقط حروفك قناديل ضوء ، من ثغر السماء ، يا حبيبة الواحات المتسعة من عيون الدهشة ،
وحدك عبرت الليل !
وحدك قبلت خديه !
وحدك فطمت الفرح !
وحدك سال فيك نهر الدم !
وحدك شج الرحيل رأسك الشامخ !
وحدك تُقتل فيك الحياة ,,,
كلما صاحت غربان الظلام في فجرك المهيب
4/
بغداد ....
يا أم المعرفة الخلابة ، وفلسفة بابل ، وبلاغة آشور ، و اعتكاف عباقرة البلاغة ، و كأس اللغة المترع بأشعار المتنبي ، يا أحاديث نازك ، وبكاء السياب تحت المطر ، وفصاحة الجواهري ، يا مدينة النور ، استيقظي ، فالسبات غيَّب وجهك عن وعي الحياة والطريق المعبأ بالدم ، بات مرصوفاً بأوجاع الفتنة ، والإقصاء ، و الشتات طال به كهف الظلام !

5/ 
بغداد ......
ازيحي حجارة الغل عن صدرك الشريف ، ودعيني أقبل كاهلك المتعب :
للعابرين فوق تربة من ذهب
للسائرين فوق صدر الفرات المثقل بهموم مدينة تضخ أوجاع النهار ، لعيون الليل ،
دعي الإنسان يمرُّ رغم مكر العيون !
دعي الطفولة تسلك سبيل الحياة بين يديك !
دعي السلام يرصفُ طريقه لمقلتيك الساهرتين !
دعي النور يمر عبر أقبية الظلام الراتعة في جيدك ، التي تخنق عنقك الطويل ، وتحبس أنفاس الشمس في رئتيك !

6/
بغداد ....
يا حدائق الإنسانية ، المُعلقة كل صباح في قلوبنا ، يا حلوى أيامى ، وفرح دميتي ، و أحاديث أمي أمام عتبة البيت ، و أقاصيص أبي قرب نافذتي وسريري ، وحكايا الصحب ، والجيران أما حان الوقت لأن نحكي ألف ليلة وليلة ، والسندباد ، والكلك ، ونأكل سواء من الدلمة والبرياني ، والباجة ، أما حان الوقت كي نجتمع في شارع المتنبي ، لنتبادل سهام الشعر ، ونرجم بعضنا بالضحك ، و نقتبس من قصائدنا فيض النور لعينيك ، وشكر الله لنعمة شفتيك ، على سحرك ، على بيانك ، وعلى بلاغتك ، وشموخ أنفك ، وعلو وجنتيك !

عزة رجب
هامش : ألف ليلة وليلة ،سندباد ،الكلك ، حكايا من التراث العراقي 
الدلمة ، البرياني ، الباجة : أكلات شعبية مشهورة عن شعب العراق

الجمعة، 13 مايو 2016

أتهجأُ فزان .








فاء الفيء تلقيني وحيدة لأحضان  الوحدة ، و زاي ماء  الزهر تحملني برائحته الرائجة نحو جنوب وريدي النازف من شريان الوطن ، و ألف أُلفاك آلفت العزلة دون حدود وجهك المرتسم فوق تلال الرمال ، أيها النون المحصورة بين عين عروقي ، و ياء سكوني ، طالت بك حبال الغياب ، وتعلَّقت روحي فوق مقصلة فراقك ، وتدلتْ مشانق الشوق ، على منصة حنيني لوطن تسربت عذوبة مائه إلى وريدي الشمالي ، وبللتْ نسغ يدي حتى فاضت روحي زمزم  شوقٍ إليك !


أتهجأ فزان ، و أترك للأبجدية ملامح الاغتراب فوق محياي ، تيبستْ تجاعيد وجهي  ، وتسرَّب جفاء بعدك لمساماتي  ، وتشقق أديم جلدي من جفوة المسافة  ، وقسوة الغياب ، أينك أيها  المدسوس في ملامح الصحراء ، المنسي بين حكايا  الرمال  العميقة  ، المنساب كسراب يتراءى لرحالة وحيد ، خانه عقرب التوقيت ، وشدَّّه لجام الطوق ، عن عقال اللقاء !

أتهجأ اسمك ، وهجير الصحراء قيظ ، والجنوب المنفور من شريان الوطن ، يتيماً مبعداً وحيدا ، تحزنه حكايا الشمال ، وتشجُّ قلبه أمتعة الرحيل ، و يراوده الغرباء كل ليل ،  تجتاح روحه ريح الغدر ، وتعبر شريانه قبائل الغرباء ، فمَن ْ لي بقميصك أيها الغارق 
في حدة الصمت ، والمنساب كقطرات ماء بين أناملي ، و المُبعد عن مرآة بصري ، والسابح كسراب فوق خيط الشمس ، والمراوغ للظهور في وضح النهار ، والمتعب من الخطو فوق سيمياء الرمال الصفراء ...


أيها المشَّاء المتوحد في عزلة الليل ، المعتزل في زوايا فزان ، وهسيس نسيم  ليلها غارق في النجوم ، يهمس لي في أذني ، يوشوش قصائد العبير ، يروج رائحتها في اشتياق القمر لرحلة الضوء ، دعني أتهجأ فزان في حروف اسمك ، كي أصحو على وقع صوتك و أنام على خِفها وهو يعانق صحراء الجنوب .  
   

من مجموعتي نزف الوريد الجنوبي .

الأربعاء، 11 مايو 2016

اغتــراب ...










 أغترب  فوق لحاء أشجاري،   لأكمل حلمي  على جدار الخشب  ، أعلن موتي و أنا واقفة و متوحدة على جداري ، سادرةٌ في سراديب التيه ، أفتح أزرار قميصي للريح ، و أشرع نوافذ قلبي لسحب البكاء الذي لم ينته ، و أكزيما النزف التي تلاحقني ، لتكتب بخشونة وجعنا اليومي ، وتترجم خواء عقولنا ، ونزق أفكارنا ، وبشاعة ضمائرنا ، التي لم تتسع نزاهتها لكلمة وطن ..

الحظ هنا يبدأ في رفع أسعارنا اليومية أو خفضها  ، وفقاً لما يبعثه لنا من مفاجآت ،
 وطوابير الخبز تتحمل عبء البطون الخاوية ، ماضية نحو شارع آخر ، لتفتح ذراعيها للغة المحور ، الضائعة  في غياهب التيه ، هنا ترسم المعركة ديموغرافيا عجائبية ، تاركة الاعتبار  يحل محل الدهشة   ...
  الجندي الواقف عند حافة الشارع
  محل البقوليات المفتوح بجنون تحت أصوات  الرصاص
 الطفل الذي يعبر لمدرسته مُصرا على يومه الدراسي
 الرجل الذي يسير في أول الشارع فاقداً هدوئه
 السيدة التي تحاول إيقاف سيارة تقلها إلى مستشفى الولادة   
 القناص الذي يقضي وقته في ممارسة لعبة الموت على الأجساد المتحركة .

أيتها المدينة الغارقة في طين الوطن  ، و زند البندقية لا يفارق مقلتيك ، تجعلين للصيف حرارة اللقاء بالوطن ، ومذاقا مختلفا لطعمك الذي لا يبارحه البياض ، و رصيفك الذي لا يكف عن الثورة  ...ما لذي يلزمني للحلم بين ذراعيك ، لأغمر وجهي في رطوبة وجهك  ، و أجعل حنيني يتساقط أمطار شوق ، لعل دالية حلمي تمتلئ بعناقيد فرح ، تتدلى كلما ناداها مذاق الوطن لشفتيه  

تلزمني علبة تلوين ، وفرشاة ، ولوحة ترسم  أحلامي ، دون أن يصادرني حوار ساستنا المتأزم عقلياً ، أو أتعرض لقطع موارد الماء  ، أو أُفاجأً بالظلام يسدل ستائره على بيتي معلنا انقطاع الكهرباء ، أو أستيقظ على حريق عالمي لآبار النفط ، أو تلاحقني تكشيرة الموظف في الشباك ليقول لي حسابك صفر ، أو أسمع صوت هاون سقط عشوائيا فوق الحي الذي أقيم فيه .

يلزمني قانون نيوتن للجاذبية ، لأصلح ذات البين بين قطبي المغناطيس المتنازعين ، المتنافرين ، و أشرع في تدوير تفاحة أفكاري كيفما تتفق لي الشمس ، ومثلما أشتهي أن يكون قدري ، تلزمني لغة ثالثة تتفهمها العقول الخاوية التي

ترانا نتمزق ، وترانا نتآكل من الحزن ، ونتلاشى من الوجع المخيم على عراء قلوبنا ، ننتظر الوطن ، ويأبى الوطن أن يأتي ، وقد حاصره حاجز أجوف ،  سقط في الطريق  إلى  العقول  المتنافرة .



صرعات لطقس الحرية







على جفنٍ ناعسٍ ...
يخرجُ صفار الكلمات ...
من محِّ بيضةٍ بنت يومها ....
ويخدجُ الحياءُ زلال الجدار
يتسمَّرُ حجر الرشيد ، فوق ثاقبٍ لفظته
السماءُ لثغر الأرض ! 

2/
الرَّايات السُّود ترِدُ أبراج حمائم بيضاء
تنثرُ القمح سنبلاتٍ يابساتٍ ...!
تتصدَّرُ قسمات الحرية 
بوشم التَّكفير! 
قناعٌ أمام مرآة ، يُفخخ من كل فجٍ 
أعشاش الحيـــــــــــــــــــاة ! 
وعزرائيل يتمُّ تصنيعه معلباَ ـ
و أشلاء !
ترتيبٌ أجوف الخواء ......
لجنائز حافية سوداء
وببساطة يقرؤون سورة براءة  !


3/

نُرسلُ أفواج النَّعاج ...
كقطيع الموتى .....
تطوفُ شعوبها سبع مراتٍ
بحثاُ عن موسمٍ الحجِّ المزعوم 
أفواجاً يحجون للقبـــــور بلا إحرامٍ 
وبين ساعة صفاء ، وعقرب خانه التوقيت...
ثمةُ ثقوب لجيوبٍ جوفاء ....
تزدلفُ الرذيلة فوق جسدٍ يموء حتى الخرف ! 


4/
عيناي مشرعتان على نافذة الشَّمس 
مشطتُ شعري بمشطٍ أعمى  
لايرى شارات الحواجز البرتقالية بالمفارق 
كشَّرتْ أنيابه عن حريةٍ نهدها أحمر !
قميصي قُّد من دُبر حين مارستُ طقس الهواء ! 
أحمرُ شفاهي قاتم اللون ...
مزهريةُ أحلامى تغرقُ في مائها الآسن  
خدي ، يتوسَّدُ وسادة عمياء !
تتوكأ على عكازٍ ينكزُ الكوابيس السوداء
يرمي قبلات اشتهاء لطعم سنبلةٍ خضراء  !


5/
بعضُ المؤتفكات مقلوبات ٍ
بالخســـــــــــــــــــــــف  
مجدولاتٍ على ظفيرة الكذبِ ...!
تثيرُ زحام المـــدن بخزعبلاتٍ حمراء
فوق رصيف ذاكرةٍ نقيعها راكدٍ ...
عادياتٍ يتعللن الكســــــــــوف ....
قادماتٍ فوق ريح كافرةٍ بموسم المطر 
غبارها لايُبقي ولايذر....
وجهان لعملة واحدةٍ ...
إذا طارتْ لأعلى شفاه الهواء الحارة
تلقَّفها ببساطةٍ وجه الحقيقة الصَّفـــــــــــــراء 






الثلاثاء، 10 مايو 2016

تضاريسك








أهمُّ برسم الخريطة ، أصنع حدود اللوحة ، أرسم الإطار ، أبدأ في إحصاء تعاريج خطوط الطول والعرض ، يأتي وجهك على خط الاستواء ، فيشق قلبي نصفين ، من الشمال كانت كلماتي علامة تعريف الخريطة ، دوال حمراء لمناطق غير آهلة بحبي ، دوال خضراء لحريتي فيك ـ دوال صفراء تمنع الشوق من ارتكاب لوعة حنينه ، حين تلتقي كفي المشتاقة للقاء كفيك ، من الجنوب كان وجهك يرتسم كسراب ، يصعب الإمساك به ، يتراءى لي من هجير الصحراء ، ولسعات البرد تجتاح جسدي الغض .

أنا يا سيد السراب 
يا قوت السراب حين يتآكلني الحنين 

أعرف كيف أملك قوانين التيفيناغ لأتهجأ مشاعري ، مقتطفة من لكنة التوحد ، فوق تجاعيد صخور الصحراء الساكنة سكون الرحيل ، فقدت دليلي إليك حين أخذنا الوطن صحبة رحلة ضياعه ، غاص بنا في كثبان الرمل المتحركة ، ضاع أناس ، وغرقتْ قوافل الودَِ ، وقبائل الحنين  ،  كانت تقطع صمت الصحارى ، وسماء عينيك بوصلة الرحيل .

دع وجهك يحتل خارطة  حزني ، يتركني أمارس هوس فضولي  فوق خطوط طولها  
وعرضها ، أحفل بك ، كما تحفل نباتات الصبار بمرور قوافل النوق من دربها ، أشتهي أن يحملني نسيم الصحراء على كف تخضبت بشوق أعماه الصبر ، فترك الرمال الصفراء تكتب الحكاية فوق تضاريسي  ، تجعلها  ديموغرافيا أبدية ، تستمد نحتها من ملامحك ، وتجاعيدك ، تروي أيقونة  الجنوب الغائب في صمت الصحراء والسكون .



من مجموعتي  نزف الوريد الجنوبي 

ضاق أفق عيني










ألملم ماتبقى من فرح اللقاء بك ، اشتهي أن أبعثر حنيني في بقايا قارورة عطر ، أسكبها في جعبة القصائد والخواطر ، أجمع فيها ما تبقى من روحي ، أرجَّها جيدا ، ثم أضعها في أمتعة رحيلك ، لتقتفي أثرك ، قصائد مكتوبة بحروف التيفيناغ ، مكللة بأحاديثي ، وهمسي ، وهسيس بوحي ، آآآه من لهفة تحفُّ عينيك على وجدي ، تسأل متى تلتقي الكف بالكف ، والحديث بالحديث ، والحرف بالحرف ، والمحاكاة بالمحاكاة ، تترك لغة اللغة ، وتتسلل إلى جارحة الجوارح .

أجزاء مني مشتتة ، جنوب قلبي النابت في جيد خيلائك ، وشمال عيني الناهض من فورة العنف ، وشرق قلبي الباحث عنك في اعتصام الوطن للوريد النازف من شريان الوطن .
تعال أيها المنفي في بضع كلمات ، من أقصى القلب ، إلى أقصاي ، من نزف قصيدة ، إلى شساعة خاطرة ، من بوح الروح إلى اختزالات الكلم .

أيها المدسوس بين وهج القوافي ، و أنحاء الفيافي الواسعة ، يا سيد الغياب ، و أسير الشوق لا تبتعد ، فقد ضاق أفق عيني بدونك .


من مجموعتي نزف الوريد الجنوبي .

الثلاثاء، 3 مايو 2016

الحارس








في الليل يبدأ في نزع فتيل النهار المشتعل داخل مسامات جلده ، يتجرد من ثيابه الثقيلة ، ينزع حذاءه المثير للضجر ، يغتسل من هموم الظهيرة ، و أخبار الصحف ، و أحاديث القنوات ، ثم يخصف عليه دثاراً خفيفا من التفاؤل للتغيير .


لا تتغير نكهة الأسئلة ، المعبأة في ركوتها المجنونة ، إذ لا يخفف من تزاحمها داخل رأسه ، سوى الوقت الذي يمنحه عقله لموت الانتظار ، بين استفسار و آخر ، يستغرق في الغياب ، يسرد أشياء الوجع في مصفوفة عجيبة ، تتداعى خطوطها أمامه ، دون أن يتورع عن نزع لبِّ الحكمة من نخاع المعنى ، أو يتأخر في اعتصار ماء العترة من رحم الغيمة ، إنها حكمة الشيخ والبحر ، الذي وهبه الوقت ، فأعطاه الوقار ، و لذة استنباط المعنى .                                                                                             


يذهب النهر للبحر كل الوقت ، يفرغ حمولته من الماء ، وهو مستمر في الاندفاع نحو الاتساع الوجودي الكبير ، غير آبه بعصف الريح على وجهه الرمادي ، و لا بأحمال السفن فوق ظهره ، ولا بأعباء الأقدام بين حناياه ، ومثل رحلة وحيدة ، خالية من مسافريها ، يظل يعرج ويتلكأ ، ينادي على مواعيد لم يحن وقتها ، و أسماء لم تعد في الوجود ، وقائمة موتى تطول في تزايد عجيب ، تكتظ ، تتزاحم ، تملأ مساراته بمختلف الأعمار ، يجرفها نحو العمق ، ليغمرها في رطوبة الأرض ، ثم يتناساها وجه الطين .


كفزاعةٍ في حقل ، يبدأ نهاره قرب باب المقبرة ، يسقط أسيراً للأعين الحزينة ، التي اغتالها وجع الليل بأخبار المغادرة والفقد ، يأخذ الدمع مجراه اليومي كالنهر ، مُوغلاً في حفر أخاديده فوق تجاعيد وجهه ، تعبر الأجساد الحاضرة بابه ، وتعبر معها الأطياف التي انطفأ ضوؤها ، يشارك في طقوس الصلاة ، والدعاء ، والبكاء ، حتى يتوارى الصلصال الطري تحت الثرى ، حينها يتهيأ له أنه سمع أصوات الصراخ في المستشفى المقابل للمقبرة ، معلنةً عن ولادات جديدة ، مقابل وفيات غادرت لا تلوي على حياة !



يمضي به اليوم كبضاعة كاسدة في زمن مهجور ، يحرس صمت الموتى ، ويستمع لعتاب الزائرين فوق المراثي الملقاة على كاهل التراب ، ينشر بياض حزنه أزهار ياسمين ، فوق أكتاف الشواهد البيضاء ، المختبئة من لسعات البرد ، المتدفئة في غرابة العزلة ، وسكون المكان المهيب ، إنه كزيت من الوجع الأليم ، تقرَّر له يومياً أن يطلي به محياه ، ليزداد يقينا بأنه يقف على الطريق العالق بين رصيفين ، أحدهما يبدأ به رحلة العبور ، والآخر ينتهي به المطاف إلى جدار لا رجوع منه .

عزة رجب .

(زيت الوجع الأليم ــ عنوان لمقال للدكتور نجيب الحصادي )

الاثنين، 2 مايو 2016

قبل أن يغادرنا الوطن ..




عندما أحببتك ...
كان الشتاء نائماً بين أحضانك 
والسماء في مخاض المطر 
و العالم مشغولٌ بزراعة قبلات النهار 
على مُحيا الليل !


وكنتُ أتساءل هل ستغيم السماء بعد مواسم الحرث تلك
وتنفجر الأرض بالمزيد من فوشار الفرح ؟


أنا يا حبيبي 
أعشق شكل الأرض المربع ...
الذي ألهمني أن النسبية هي الزمن النائم بيننا 
حين لم نتقابل بعد ....
و أن المسافة بين تنهيدة شوق 
ولهفة حنين ...
تترسب في ابتسامة صبر فوق جبين الانتظار !


لا تدعني أتلكأ في يومي 
حين أستيقظ و أنا مشغولة بالبحث عن فنجان قهوة 
لمجنونة إفطارها شعر ..
و قصائدها أنت ...
ونصوصها غياب يمخر في رحلة بحث ٍ 
عن شيخ البحر ....
و أحدب نوتردام ..
و أليس في بلاد العجائب !


هذا الصباح أعرجٌ مذ أطل من نافذتي 
تسربتْ أخبار الجنود إلى مزاريب المياه 
وصاحت الأرض بأسماء الشهداء ...
وفتحت المقبرة ذراعيها في حفاوة وتكريم !

يقولون أن السماء كانت بيضاء يوم استشهادك .
يقولون أن رتلاً من الملائكة كان يجتاح الأرض .
يقولون أن أصوات الرصاص توقفت في بنغازي .
يقولون أن الوطن وقتها كان فوق منصة المزاد العلني .
يقولون أنك أفسدت المزاد .....
وغادرتْ قبل أن يغادرنا الوطن !!


عزة .
من نصوصي : قبل أن يغادرنا الوطن !
أهديها لكل من فقدت شهيدها وحبيبها ..
شهيدته وحبيب 

الأحد، 1 مايو 2016

الجزء الباقي من ظلي





;كل الحب لحانة تنجبُ بطلاً في الحرب ، أو فنانا يرسم بريشته أوجاع بلاده ، أو موسيقار  يعزف ألحان الألم على سلم صول ، فيترجم سيفمونية إبداعه طرباً ، أو مخترعاً لمصباح أضاء بنوره العالم .

الحانات تاريخ مجاهد في سيرة الشعوب الذاتية ، إنها تبعث من رحم الفقر نوراً للكون ، ترسل شارات عبور لشعوبها نحو مسيرة الشمس ، الحانة أمٌ بطلة ، أذاقت أطفالها لوعة الوحدة ، ونكاية الوجع ، و قذارة المجتمعات ، حين تلفظ أنفاس أبناءها لطاحونه البكاء اليومي ، لميقات غير معلوم من مستقبل مجهول ، الحانة عجوز شمطاء ، حكيمة بالقدر الذي يجعل رحم المعاناة يُلقي بأطفال التجربة ، إلى معترك لابد منه ، ، لم تتخل الحانة عن واجبها الوطني تجاه البلاد ، لم تخذل التاريخ في صناعة قرار !


للحانة فلسفة لحزن ما ، قد تكتبه عاهرة تمنح سعادتها لغيرها ، لكنها لا تمنح الموت المجاني كالذي يأتي إلينا من كل حدب وصوب ، فالفرح ينتج أبجدياته من رحم البكاء ، وليس له طريقة أخرى كي يكون وليداً ، حياً ، ناضجاً ، إلا أن يمر عبر أيقونة الفقد ، والوحدة ، والعزلة ، وشيء من الإنكســار ,وضنك العيش .

في فلسفة ريكور ثمة ما يدلي به ذلك الرجل المختبيء من ألم الناس ، البعيد عن سلطة الانكشاف ، الباقي تلقاء السكون ، وقبالة النوافذ المقفلة ، الفاهم لحكاية الظل ، يقولون أنني وحيدة ، أو لعلي مريضة مثله ، أبتسمُ حين تدعي رفيقاتي ذلك ، ريكور كان يستمع لصوت العتمة ، يطلق عنان مخيلته للريح ، يُسابق كلمات هيجل ، ويعيد ترتيب الحياة وفق سؤال دريدا ، لكنه حين يكتب يترك للإجابة حرية إطلاق ساقيها للريح ، تهرب في الاتجاهات الأربعة ، تطير فوق أرض خياله ـ وخصوبة فكره ، ثم تجعل حبل أفكاره يتدلى فوق مقصلة العقل البشري ، يعيد قراءة الوجع ، يجعل شعوره باليتم ، بالفقد ، بالوحدة ، بالعزلة ،   ينجب زهرة ،   أو يقوده إلى  زرع زيتونة في بستانه المهجور ، أو صبَّارة تتسلق لأسوار الخارج .                                                                       
  

لم أسأل مرة على منهج ريكور "كيف ، ولماذا ؟ الجواب دائماً كان حاضراً يتقمص سبابة السؤال ، يؤشر على جهوزية الإجابات ، و الحياة دائماً كنافذة مشرعة ، على نوافذ الإجابة ، عندما يقتلنا ورع الإجابة ، وصدام الواقع ، السياسة أفسدتْ العالم ، و أبناء القصور استطاعوا إنجاب كمٍ هائلٍ ، من الأمراء البشر ، لكنهم لم ينجبوا إنســاناً له قلب ، انتشل الإنسانية من مستنقع الدم ، ووحل الاقصاء ، وفداحة تبادل وجهات النظر الرمادية ، وبشاعة الوجه الآخر للأنظمة العالمية ، إنها مجتمعات سياسية آسنة ، راكدة في
الدم الأحمر ، شرهة للأنا ، متعطشة للسيطرة والسلطة .

دعوني أنا والجزء الباقي من ظلي ، كوردة ٍ أعيش في حصوني ، وقلاعي العتيدة ، ترون أشواكي ، وتطالكم سلاطة لساني ، ولكن ثقوا أنني ابنة حانة ، وفتاة الحي البنغازي ، المتوسط ، الحي الذي صمد تحت راجمات السياسة الليبية   القاتلة ، التي تعيش إلى حد الانغماس في حالة العمى المعرفيّ والفكريّ وجهة نظر واحدة ، إما أن تكون أو لا تكون .                                   


سأظل أسأل مثل ريكور ، عن (كيفنا ، ولماذانا ) نحن هكذا ، لم نستطع أن نطلق سراح طفل إلى حقول  الأمل ، أو نجعل فلاحاً يسعد لأن أسنان محراثه تتهيأ لطمر بذور القمح في رحم الأرض  ، أو نجعل  طالباً جامعياً يمضي إلى كليته ، وهو يتمنى أن يقدم شيئاً عظيماً ، يختلف عن أطفال الحانات العظماء ،  بعد أن ثار و أزاح من طريقه عقبة أحلام الحياة ، أو نجعل حالمة مثلي تكتب روايتها بشكل متصل ـ دون أن تضيع في سرد فصول طويلة من الأسى المتجدد كل صباح بنغازي                                                                          
لقد زاد عددنا نحن سكان المدارس ، و نزلاء الفصول المدرسية ، أصبحنا كلنا رواد المقاهي الماضية في طرح السؤال ، عشاق لرواية البؤساء ، الباقية بقاء الاختلاف في الحوار ، السائرة نحو مجلدات من أسماء الشهداء ، الواقفة على ركام المباني ، والأحلام الزائلة ، كلما طالها وجع القذائف العمياء ، كم تبدو هذه السياسة امرأة ساقطة ، أو عاهرة ، تمنح الكل آمال البقاء على ذمة حنكتها ، ثم ترمي بهم في قاع قذارتها .

كيف أحافظ على السؤالين الفتاكين لريكور ، دون أن يخذلني وجهي ، حين أطرحهما عليه ، و أنا ممتلئة بوجعي ، نازفة من شريان الفقد ، إلى وريد الوحدة ، أنكفيء في رحلتي ، و أرى كل شيء كيف يمضي ، و إلى أين يَُفضي ، يبقيني هول الإجابات مُسمرة مكاني ، مشدوهة من عيون السؤال المفتوحة على مصراعيها ، وبلا سيناتي ، وتسويفاتي  ،أظل أنتظر في حانتي المُظلمة، بانتظار ضوء الصباح ، يروقني خبز أيامي ، وقناعتي بأن الإنسان ينتصر .....حتما ينتصر.