الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

غزل






 

في القلب ، في العقل ، في أروقة الروح ، في سُرادقات حزني ، و أعشاش فرحي أنت ، تتصدر آيات الصباح البكر ، تسرى في معارج النهارات الممطرة ، حتى إذ ما بلغت ذروة البحر ، توسدت أفق المساء ، وبدأت تتلكأ بين جوانحي بنعومة حضورك ، و رقة إطلالتك ،   أجنيٌّ أنت تسربل من السماء ، وتسلل إلىَّ ؟ ، فمسَّني منك طائف عشق ، دوُّخني ، أسكرني ، دوُّرني حتى الثمالة والخبل ، وما كدتُ أفيق من نشوة رؤياك ، حتى باغثني منك بارقٌ لمع من سنا ثغرك ، و لاح منفرجا عن ابتسامةٍ ، اصطفت نواجذها لتأسرني ، مُصفَّدة بأغلال صوتك الملائكي ، وأفصحتْ عن غمازتين محفورتين عند حدود خديك ، فكشفت عن أخاديد ناء بها الحزن قرب مضارب النظر ، اختارتْ زوايا بعيدة من ملامحك لتخبر عن عزيز قومٍ ، استعصت دموعه بكِبر وصبر ، و آنفتْ عيناه بثِّ حزنها ، فتحجرتْ مآقي الدمع مخافة أنْ تنشب مُقل الفضول أظافرها فيها ، فكأنَّ كأنَّ تقاعست عن دورها حين أردتُ تفسيرك ، وكأنَّ ليت تنازلت عن تمنيات قلبي ، فأسلمتْ أطراف أمنياتي إلى لعل حتى كفَّتها (ما ) عن توقي لوصفِِ مُتممٍ لمحاسن دارتْ في رحى الروح ألغازا عنك ، و أسدلتْ ستار غموضها عن ملامسة رقيق طبعك ، وشفيف روحك ، فآيستني اللغة كلما بدوتَ وبدا لي جمالك شاخصا ، خرَّت بلاغتي ساجدة في محرابك ، مُسلِّمةً اعترافاتها بأنك الشاخص الذي يتراءى ، والظاهر الذي يتوارى . 



أنا منسية ...أنا حرة في خيالي













الأحد، 17 ديسمبر 2017

بورتريه




مازلتُ سنبلةً تسكن الفرشاة الثملة ، والعينين اللوزيتين ، أُُمُّاً لجدارية تتصدر الحائط ، تعبر لغات القرون السحيقة ، لتخبر عن رحلات رحمية مرَّت فوق جبين الحائط ، الحائط المتهالك الذي تصَّدع قلبه ، وتهدَّلت ملامحه ، و تشقق وجهه 
ساقطا في لوعة التوسلات من بكاء على أوطان لم يرأب صدع شقاقها الزمن .

سأحلم بأنْ أجفف مآقي الدراق ، وأكتبُ اسمي على صدر ورقة توت تتأهب لكتابة تاريخية ، عن أسماء تمَّ قطافها من شفاه الزيتون ، عن أرواح غادرتْ وهي تحاكي الطين ، عن وعود عالقة في عناقيد انتظارها ، عمنْ اندثر بهم التراب ، وهم يحاولون رسم الملامح لملحمة خلودنا ، عن تميمة علقتها في عنق حبيبي ، لعل الصبَّار يتوقف عن النمو في قلبي ، فتزهر حدائقي الغنَّاء.

مازلتُ خضراء الروح ، أتوهج كلما أضاء جناح العنقاء ، منذرا بالانبعاث من أمم الرماد ، أندس في فم عصفورة ،و أتسربل قبلة من عشِّ ، متى ضاق به غصن الشجرة ، ارتفع وحلَّق للسماء مانحا الفرشاة لغات الكون ، ولهجات اللون ، تراصفت منذ الأزل ، لتخطَّ تقاويم تسربلت كجداريات خِيطتْ بأنامل حريرية .

مازالت فرشاتي ترسم ، تتعثر فوق البياض ، تسقط في فخاخ الإلهام ، تنصب مصائد البورتريهات فوق الملامح العابرة ، تلك التي تتحدث لهجاتي كإنســـان .


الجمعة، 15 ديسمبر 2017

لهجــــات .








أنا التي أسرجتُ حصان الليل ، و أطلقت العنان لخيولِ السؤال نحو مُقل الإجابات ِ، أدورُ بين حانات المدينة والمقاهي الملقاة على أكتافِ الرصيف تائهةً ، أُشعلُ فتيلَ الغياب لأبحثَ عمن تاهوا بين مسارب المسافات والغبار ، أترك بدايات النهار لعبور الضوء ، مُحلقة ً على جناح عنقاء ، انبعث جسدها من أمم الرماد !




مازلتُ صديقةَ الوحدة ، رفيقةَ العتمة التي لا تسمح للضوء بالتعارف معها ، مازلت ُأرافق الأواني الغارقة في لهجات الطين ، أستحضرُ في هدوئها حديث أمي ، ولغة الصلصال ، مازلتُ صديقة الشجرة العجوز في حديقتي ، أُُسند رأسي إلى هيكلها العظمي ، و أعدها ألاَّ أحولها لمقاعد ومناضد حزينة ، مازلتُ أغمرُ كفي لأغيبَ في تواريخ التقاويم ، أبتسمُ عن يومٍ ذهب كورقة خريف ٍمُصفَّرة ، أتذكرُ فيه مَنْ حملوا أمتعة الرحيل إلى مدن لا تنبس ببنت شفة ، مدنٌ تخضع لمناسك الغبار ، وطقوس السكون الأبدي !



أنا التي تركتِ اللوحات عالقةً على الجدار ، أحاديث لبيكاسو قتلتها رهبانية السؤال :

عن القتلِ ، عن الخراب ، و الهجرة ، و الفراق ، عن الرحيل ، وعن الإرهاب ، 
عن أعشاش بلا طيور ، وبيوتٍ حاصرتها شيخوخة التراب !


أنا المبللةُ بأحاديث المساء ، وحنين الصباحات الغائمة للمطر ، اشتياقُ العصفور للنافذة ، توقُ الكرسي الوحيد على الشاطيء لحديث الغريب ، اجترارُ الذكريات لموج البحر ، اكتراثُ الأزهار الذابلة للبلل !

مازلتُ أغردُ خارج سرب الوقت ، أحملُ ظلي على الرصيف المعبأ بأسئلة المارة ، و أبارك علاقة العشق بين كرسي المقهى وعمود الإنارة القريب ، مازلتُ أُجالس المناضد الوحيدة ، الغائبة في عتاب الغرباء ، أدندنُ لها بموسيقى الناي ، والعود ، والكمان ، أصيخ سمعي لشكواها ، ثم أعترفُ لها بأنهم أبناؤها الذين سلبناهم عنوةً من لبِّها ، مازلت أشبهُ ظلي ، أتسربلُ في المدن الضائعة دونما هوية مكان ، أمضي ويقيني في قلبي ، أنني إنسان ...أنني إنسان ...

الثلاثاء، 5 ديسمبر 2017

مازال الله يرانا




 يقول لي حبيبي تعالي 
لنقتل كل يوم سياسيا من بلادنا
نشرب من دمه ...
ونقوم بترحيله إلى المقبرة 
تعالي نسقي بالمطر
تربة هذا الطين 
ونبارك للسماء قبلاتها له 
يا حبيبي ...
مازالت الحرب كآلة الكيتشن
تطحن قلوبنا ..
وتزعجنا بنفيرها كل يوم
مازالت المآذن تخون صلاتنا 
وتعقد صلحها مع نواطير الليل
مازالت وسائدنا تهزم أحلامنا
ومازلنا نسقي نباتات يومنا 
بدموعٍ ...
وشِعرٍ ....
نتسلق أسوارنا لنعبر
ذلك السياج المكتظ 
بالحقد و القهــــــــــر
ياحبيبي ...
هذا العالم ذئب كبير
يلتهم بلادنا على مهل 
قال لي الله ...
هذه الأرض مِسك الجنة 
في أرضـــي ...
أنَّها آخر نبيات السماء....
رأيته يتجول في طرقاتها
يطلق يده الرحيمة 
في شوارعها,,,
ويسبغ عليها من عطفه
ما يكفي لأن نضخَّ
منه أطنان حب لهذا 
العالم الشائك ...
أريد أنْ أكنس الحزن 
من مقلتيها ...
و أضيء عينيها بقناديل
تشعل ظلام الطريق...
أريد أنْ نرسمها 
بعيون تحب الزهور
وقلوب تقامر الشمس
كي تظل في معراج
الشروق ..

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

أنا و فيسوافا








تقول لي فيسوافا 
تعالي نحرث في الهواء 
ذلك الدخان المتصاعد للسماء
ونُمشِّط شعر الغيوم 
ربما سنبدأ بداية أخرى 
تنظف المكان 
من قمامة الحرب 
كانت فيسوافا تنمو في قلبي 
كأصيص يفترش الضوء 
ويصلي صلاة الظل 
كلما توضأت بقصيدةٍ
تشكلتْ على شفتيَّ 
بلادٌ من اليقطين ...
مازلتُ أركض وراء ظلي
ألعقه كبرتقالة متجعدة
من خشونة الحرب
أعيد تلقيح الأفكار المُهجنة 
أحولها إلى منمنمات صالحة 
لشرب الحياة 
أتقيأ كسادنا الأخلاقي 
على سبورة مدرسة .
في بلداننا يا فيسوافا 
السياسي سمكري 
صاحب خيال خصب 
يعتقد أنَّ بلادنا الكبيرة 
مجرد سيارة أهداها له والده 
بمناسبة نجاحه في الانتخابات 
لذلك مازال يمكنه أن يقودها
إلى سوق الخردة ....
حيث لا أحد يمكنه تنظيف المكان !
هامش :مستلهم من قصيدة فيسوافا شيمبورسكا البداية والنهاية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا وفيسوافا 
من مجموعتي نصوص فيسوافية 


الجمعة، 10 نوفمبر 2017

حتى كأنه خردة ..








 لا أعرف من ستخرج الحرب من رأسي ؟ ومتى ستغادر ذكرياتي ؟ ومتى سيعتصرها الفرح حتى تنكمش ، تقول لي صديقتي سارة : إذا حدث و انكمشت الحرب  ، فسوف تتحول أمعاؤها لوحش جائع ، لا يُبقي ولا يذر !


 ربما قرأت  سارة عن نظرية التشاؤم لمالتوس ، وقررت أنَّ الحروب شر لابد منه ، للحفاظ على توازن السكان ، وتوازن العقول  .

 و من شدة رفق الله  بنا أخذ الحروب في نزهة قصيرة بين حين وآخر ، فاسترحنا  من صوت رصاصها ، ومن مقت ساستها ، ومن تذمرهم ..  

 ذات نزهةٍ  صرخت سارة  مشدوهة ، وهي تلقي بلوح الشكولا التي أعشق :  جارنا السياسي يزور محلا للزهور !??

شكَّل هذا الخبر صدمة كبيرة لي ، وتصورت جارنا السياسي وهو يغازل زوجته ، ويلاطف بناته ، و يقدم لهن الورد ، برائحة الدماء التي اقترفتها يداه ، في حق المدنيين بمدينتي !

لا أعلم لي ملتجأ ، ولا ملاذا سوى ألبوم لصور قديمة ،  كي أهرب من صوت النازح الذي بدأ صباحه قسماً على زوجته بيمين الطلاق ،  ومن الهراء السياسي الذي يصدح من قنوات الراديو ، و العصابات التي تقودنا نحو البراري ، والمحميات الأممية !

في هذه   البلاد لم يعد يوجد وقت للحب ، ووقت للحديث عن أشياء جميلة ، أغلب الذين عرفتهم في حينا’ وفي شارعنا التهمتهم قذيفة في غمضة عين ، فذهبوا بلمح البصر ، صاحب محل البقالة ، وثلة من الأطفال ، و بعض الشيوخ الذين كانوا يباركون خبز أيامنا بدعائهم لنا ، لا يوجد وقت للحديث عن زواج ، أو حفل خطوبة ، أو حتى مقلب  يحصل لصديق تُحدث به صديقا آخر  ، ولسوء الحظ ، أصبحت ذاكرتنا مبتورة ، و أجزاء منها مقطوعة ، صارت كل ذكرياتنا غير مكتملة ، يغيب فيها شخص ، أو حبيب ، أو ابن ، أو صديق ، أو جار ، بل أنَّ المواقف اليومية لم تعد سوى فيلم بألوان الأبيض والأسود .....امتص الحزن  كل الألوان  الأخرى لحياتنا  ، فأصبح وجهه قديما ومتآكلا ..حتى كأنه خردة !
ـــــــ 
سرد مفتوح

الخميس، 2 نوفمبر 2017

رواية سفر الريح ، لعزة رجب سمهود.









 مع قرب صدور أول أعمالها الروائية تقدم الكاتبة الليبية/ عزة رجب سفر الريح كرواية طويلة ، الصادرة عن دار الغراب 2017 ، لتتنوع فصولها السردية ، وتأخذك لعوالم آخاذة ، جمعت بين سحر الأسلوب ، وعمق الكتابة ، و السرد الشائق المحمل برائحة التأريخ ، والألم ، وحكاية شعب تاه عبر مسارب السنين ، منذ الاحتلال الأيطالي لليبيا ، إلى محاولته للتغيير عام 2011 ، تختار الشاعرة الروائية أبطالها بطريقة مثيرة للاستكشاف ، فتنقلنا شخصياتها بين إناث التائهة مع قصصها ، وبحثها عن حريتها ، والمتفاعلة مع قضاياها كمرأة ، وبين سمر البطلة والساردة لقصة بيللو ، الذي هو زوجها في حقيقة الرواية ، تجمع عزة سمهود أفكارها في روايتن ظاهرتين دون خفاء ، تنقلنا بين الأبطال ، ورحلة عذابهم الطويلة في أيام المملكة ، و حرب تشاد ، والربيع العربي ، من خلال استخدامها لتقنيات حديثة في الرواية ، وبمهارة وسلاسة ومتعة في السرد الذي أضافت إليه من خيالها الخصيب شخصيات تنبع من إرهاصات العقل الباطن للبطل عمر القاسم ...
تبدو سفر الريح رواية من النوع الذي يعري القشور الاجتماعية والارهاصات الثورية بكل قبحها ، وتعنتها وفجورها ، بجرأة في الطرح ، وسرعة تنقل بين الأزمنة والأماكن دون أن تشعر أنك تقرأ رواية .



يقول الدكتور يسري عبد الغني عن سفر الريح :عزة سمهود كاتبة تعي أن فن القصة أصبح لونًا فنيًّا يجب أن نراعي قواعده وأصوله، ومن هنا جعلت روايتها ميدانًا خاصًّا خصبًا لوصف تاريخ ليبيا، جامعةً بين الماضي والحاضر في صور مختلفة، فقرأنا معها الخير والشر، الكفاح والحب، البغض والوفاء، مشكلاتنا بوصفنا مجتمعًا عربيًّا، أشخاص وأشخاص يعكسون على مرآتهم صور الحياة التي تعبر عن هذه المشكلات. الكاتبة نجحت في أن توظف مادة عملها القصصي بمصادره المختلفة في التعبير عن فكرها أو ما تريد أن توصله إلى الناس، كل ذلك بعرض الحوادث والمواقف، والشخوص التي تتعرض للمواقف والأحداث، والبناء السردي بما يشمله من حوار ووصف عبر الزمان والمكان والفكر والمغزى.

​وشخوصها سواء أكانت أساسية أم ثانوية تنجح في أن تضفي عليها البعد الظاهري المتمثل في التكوين الجسدي والملامح البارزة في الشخصية، وكذلك البعد الباطني المتمثل في التكوين النفسي والطبائع المميزة للشخوص التي نعيش معها عبر العمل الإبداعي . ​والرواية التي معنا يمكن أن نجعلها من الروايات التي تجمع بين الرومانسية والواقعية والاجتماعية والوثائقية.


في الوقت نفسه الذي تنجح فيه المؤلفة أن تستخدم وسائل وتكنيكات روائية عديدة، مثل القطع، وتيار الوعي، والمنولوجات والديولوجات . ​أما بالنسبة للغة فلغتها واضحة سهلة مفهومة، لغة تبعد عن التعقيد أو الغموض، وحتى وإن وردت في سياقها بعض الكلمات العامية فهي مفهومة وغير مستهجنة، وقد نجحت في أن تستخدم الدلالات اللغوية بكل ما فيها من إيحاءات لتعكس ما تريد من فكر خلالها، أضِفْ إلى ذلك قدرتها على رسم لوحات تعبيرية تجمع في ذكاء بين أشكال اللون والصوت والحركة .

هذه كلمة عابرة أردتُ أن أكتبها للمبدعة الأستاذة / عزة سمهود عن روايتها الممتعة المهمة (سفر الريح )، التي تمتلك مقومات الفن الروائي وأصوله في زمن تجاهَلَ فيه العديد ممن يتصدون للفن الروائي كل قيم الفن الروائي ومفاهيمه، والذي نحذر أننا لو استسهلنا الأمر وظللنا في حالة الفوضى الروائية هذه، فإن ذلك سيؤثر - دون شك - بالسلب في مستقبل فن الرواية ، تحيةً إلى المبدعة التي تمتلك أدواتها الفنية الأستاذة :عزة سمهود، وفي انتظار العديد من الأعمال القادمة لها



الخميس، 29 يونيو 2017

ماذا فعلت بك الحرب يا بنغازي ؟









في الليل يتشرد إحساسي مني، يتجول بين أمم من الركام، وبقايا البيوت، بنايات طواها الغياب، وبنايات خرَّت من حنينها لأهلها، فسقطت مغشيا عليها من البكاء، جدران تهالكت من صدمات الرصاص، وجدران تحملت أوزار الكتابات، والشعارات العابرة فوق جسدها، لتقول حكاية المنسي الذي عبر من هنا...

يالهذا الليل الذي يطويك يا بنغازي، يالهذا الهول الذي تحملينه فوق أكتاف أهلك، يطوي سبخات الملح في قلبي، ويملأني  بأصباغ بياضها، لأرتل حنين هذه الوجوه التي أعتقها الحنين من طول الانتظار، فأخلى سبيلها من الأسر، ومن طول الشوق، ومن كأس الصبر، وجعلها كأسراب الطيور، تبحث عن ملاذها وعشها، من أجل أن تهبها رواية العشق عيون إلزا في معارج اغتراب الروح، ومنازل الاعتزال لحبيبة القلب...

ماذا فعل بك الليل، وبهذه البنايات التي وهبت قلبها للميناء، تطل على وجهه كل صباح من أجل هسيس حكايات الصبية، والصبيات، وتسترق الأسماع لهمس أعمدة الإنارة المتناثرة هنا وهناك، فكأن كاهل البحر كاهلي، وكأن هذه الشواطئ المغمورة بين كثبان الرمل هي قصص و حكايات لأمم  من الموج ذابت عند أول حلم رملي ..وكأن مرود الكحل أبى عيون الصبايا  بعدما تكحَّل ببياض حزنك، و كأني نسيت وجه حبيبي الغائب وراء أمم السحاب، فآثرت شكواك، و اخترت حزنك لأعجنه بتوحدي في شرنقة العتاب.
ماذا فعلت بك الحرب، وأين الشارع الذي كان يتلقاني برحابة صدره؟ أين أعمدة الإنارة التي كنت أبثها حديثي، أين رائحة النيهوم التي كانت تجذبني من بيتي، لأتوسط خصرك يا بنغازي، أين أحمد رفيق، و أين روح محمد الشلطامي،  أين ضحكات الفارهين بأرواحهم، والفارهات  بضحكاتهن ، الشاعرات والمشاكسين بأقلامهم، حين يعبرون خاصرة الميناء قبالة المنار... أين النورس ولماذا عمَّد أجنحته في طي الغياب، و تناسل مع أوجاع عامود الدخان المتصاعد من سمائك، كمدخنة حزينة...

ماذا فعلت بك يد الغدر، ونوايا المكر، وكيف غاب أنينك طي الركام، ماذا فعلوا بوجهك الأبيض، وكيف سرقوا الكحل من جفنيك، ولماذا كل هذا العجين المتكور من الأنين، تلال ألم تأكل طيبة محياك، وأطرافك المُعفرة برائحة الحناء؟؟؟

خطفت الحرب وجهك، وخبأت ضحكاتك في جوف الماء الضاحل، سرقت عطرك، وامتدت بوحشية لوردك البلدي شبابك، نالت من واجهتك، وثقافتك، وهويتك، لكنك بكل روح تعفرتْ بالملح، وبكل عدد سبخاتك ماز لت  بذات البياض، وذات الطعم، وذات المذاق، وذات النكهة، وذات البن، وذات القهوة.., مذاقات  ضائعة بين المكتبات، ورحاب سوق الحوت، وعالم سوق الجريد، وعطر البحر ينساب نثيثا من يسراك، وواجهة شمالك يا ماء الروح، وزيت سراجنا، و هواء حياتنا...

الليل فيك  تفاحة تقضمها الحرب من أطراف البحر، تغني أغنيتها على خصرك ، تسحب الوله والحب من عيون الفتية، لتضخَّ رماد أجسادهم وقوداً لوقاحة الرصاص، وأنين الموت، ورتم الحزن الذي يأنف مغادرة أوردتك...

مازلت تتسربين في روحي كالماء، تمتدين كأوردة البحر في جسدي، كما يفعل الصابري، والشابي، وجليانة، والسكابلي، شرايين أتعايش بها من تحت هضاب السبخات الممتدة  فوق ملامحك العتيقة، الصافية صفاء الملح ..النقية نقاء الماء...
ما زلت ذلك المزيج المجنون، العالق في متعة  الشبق والنسكافيه، ما زلت ذلك المذاق من الهوس والشغف، من الإلهام المتشاسع  في باحاتك العتيقة، ومآذنك الشامخة، وردهاتك صاحبة أطول رواية في تاريخ التمرد والشجاعة... سيدة الصباحات الليبية ..ملكة الأبدية في مواويل عشقنا الليبي الطويل...

يا الله...
خذ قلبي وهبها الحياة، خذ مني حلما بلقيا حبيبي، وامنحه لبنغازي حبيبة الكل، خذ مُنى حياتي، وكُفَّ عنها قطعان الذئاب التي أُطلقت ورائها  فعبرت ليل المدن لتجعل ليلنا يكبر في بنغازي، خذ منا أحلامنا، وما تيسر من هذيان أقلامنا، خذ ملحنا، ودقيق أيامنا، وزيت أفراحنا، ورائحة ذكرياتنا، ولا تحفل بمذاق دموعنا، فنحن نستدر نكهة الحياة من بياضها...
عبير الورد
15/06/2017

الأربعاء، 28 يونيو 2017

وحده النهر يفهمني





 

النهرُ الذي وهبني كتفيه
لأسند برأسي عليهما
كان وحيدا مثلي 
كشجرةٍ حافية في الخلاء  
يفتحُ عينيه لبياض اللوز
و يغزو بضحكاته الموجة 
التي تعرت ْ له   
فيما مضى كنتُ حبيبةَ لنورس
يجب أن أقول عنه حبيبي
أتذكرُ السلو 
الذي رقصناه للنهر تلك الليلة 
كان بطعم البوظة الشتوية 
قال لي : لو رقصنا زوربا  
وجعلنا ألمنا سواء 
مثل مشمشة مجففة 
لكنا نورسين يضمان حزن 
المدينة بين جناحيهما 
لكنه نسى أنَّ قدمه مبتورة 
مثل مقطع سعيد في رواية سوداوية 
نسي أنَّ البلاد التي نقيم فيها 
تحشو القطن في أفواهنا 
تخاطبنا بلهجات الرصاص
و تجعل صباحاتنا 
كصافرة قطار قديمة ومتآكلة  
النهرُ الذي وهبني كتفيه لأبكي عليهما
يعلم أنني بريئة من تهمة الدخان
الذي يأكل البياض من قلب المنارة 
ويتركُ في روحي صرخة باسم
من غادرني  
للملح والماء  
باسم من جعل فرحي طائراً مهاجرا 
في كل سماء 
باسم كافكا وهو يكتب كوابيسه 
باسم آنا أخماتوفا وسجائرها النافقة 
باسم بورخيس و أفكاره المتطرفة  
باسم القبلات التي يرميها النهر 
 في جوف البحر ويمضي

الخميس، 1 يونيو 2017

هذه البلاد تشبهنا








في هذه البلاد الممزوجة برائحة حزني
ارتأيتُ أن أطفيء النور 
و أسحب أنفاس الهواء إلى صدري 
حين تلمع عيناي بالدمع
وينصب الظلام خيامه البدائية فوق رأسي
ليس لدي ما أفعله ...
سوى أن أبتلع الجمل المتعثرة 
بحظوظ الحرب والرصاص ...
نسينا طعم الحب والأشياء الجميلة 
أحاديث الصباح التي تضج في البيوت 
 و مذاق الكعك الليبي ، ومزاجنا الضاحك 
لم يعد يهم أن نقول لبعضنا صباح الخير 
بعمق كبير.....
وكما لون الحليب الممزوج بلذة القهوة 
ربما المهم الآن هو تقشير الملل ...
ومتابعة مسلسل تركي من عدة أجزاء 
ريثما تنتهي حروبنا المقيتة ....
وتكفُّ ليبيا عن البكاء ...
في هذه البلاد التي تشبهنا جميعا 
تمنيت أن يشهق البحر موجتين في وجهي 
ويغسلني بملوحته حتى أتحول لسبخة 
تدفن أحزانها في بياض ملحها ....




الأحد، 7 مايو 2017

خبزٌ و دانتيل








أنا في المخيم  
أُهدي فتاةً تاورغية 
شرائط من الدانتيلا 
لشعرها المنكوش 
لا شيء هنا يُعجبني  
الوجوه المتهدلةِ من الحزنِ
 العجائز اللاتي يأكلُهنَّ الصمتُ 
والرجلُ الذي فقد ظله 
انزوى وحيداً في الخلاء
ما ضرهم لو كانوا في بيوتهم ؟
كان يُمكننا أن نواصل حبنا 
لبعضنا,,,  
.. دون أن نتذوقَ مرارة التهجير 
وكنتُ سأكون سعيدة  
بشرائط الدانتيل التي أهديتها
لو لم تطلبْ مِنِّي الفتياتُ 
أن أجلب بدلاً عنها خبز اً
  ومربى...

الخميس، 4 مايو 2017

قرطي صديقي








قرطي القديم ....
الذي اشتريته بمناسبة عيد الحب 
أنزوى وحيدا في العلبة 
كان يحبُّ الظهور مع فستاني الأحمر
المطرز بحواشي الدانتيل
يتمايل مع خطواتي في رقصة 
زوربـــا ....
هو فخور بصديقة مثلي ...
تتذكره من بين أكسسوارتها الجديدة
تعلقه في أذنيها ...
و تخبره عن بيتها الذي لايطرق
 بابه أحد .....

الخميس، 20 أبريل 2017

هــروب








خيطُ الطيارة مرهف
يفككُ مسافات انتظاري
فوق صدر سحابة بيضاء
ليس الحلم في بلادي يسيرا
فأنا كي أحلم ..
أحتاج أن أدرَّ الحليب
من حلمة حزنٍ كبيرة 
أختزلُ بياضه 
في قصيدة تترنح
مثل سكِّير فقد وعيه 
قصيدةٌ مزاجها 
نبيذ واقعنا المعتق 
بإنزيم الشيخوخة ......
يذوبني كما شجرة سرو
نخر عظامها 
 سوس اللغات المتخشبة ....

الثلاثاء، 28 فبراير 2017

مـــازال ...






مازال من الممكن أن أطرز
أشغال الدانتيل ...
فوق قرص الشمس
لأجعل شعرها يسترسل في الليل
تعقد عصبته فوق جبين النهار
وتهتم بأصابعي المعجونة
من شوفان شفتيك ......
 
مازال يمكنني أن أقضم تفاحة يأسي
 
ويباس هذا العالم
الذي يلفظني في قسوة وجهل
أصنع قارباً من شفتيِّ
 
يعجُّ بملايين الابتسامات المهاجرة إليك
مازال هنالك متسع من الحلم
 
لخياطة فساتين فاتحة اللون
و أثواب سواريه بدون أكمام
وافتعال رقصة سلو باذخة
مع موسيقى تراث ليبية
بين يديك .....
مازالت عيون الليل
ترقبُ نافذتي
وترى شعري يتسربل مثل رابونزل
يتدلى .....
فتصعد أنت جدائلي
وتقطف النجوم أزرارا من سماء
حملتها لي بين كفيك ..
مازال في جعبتي المزيد من الصور
والرسوم ...
وألوان الخشب ...
كي أرسم وجهك في دائرة القمر
و أمضي كطفلة ترى العالم
من سبورة وطبشورة جير .
مازال هنالك متسع من الوقت
لنخترع صحناً فضائيا
يتسع لنا سواء .....
نبتدع أناسا ً يعيشون
فوق أكتاف الغيم
يحملوننا في الصباح لأوطان تُولد
من أجلنا ...
مازال يمكنني .....
حتى كأنَّ ...
ثمة نجم  أراه يلمع
كلما قابلني حنين ضائع
في عينيك

الخميس، 23 فبراير 2017

ساعة ممتلئة







 أُعيدُ ترتيب الوقت ، أعتقلُ ساعات الفرح الهاربة مني ، كان بندول الزمن كعادته يمارسُ تأرجحه في متاهاته ، و دوائره ، وكلما دقَّ قلب الساعة ، و وقفتْ على ساقٍ واحدة ٍ ، جاء قطار الحياة مكتظاً بالمواعيد ، محملاً بأمنيات أرواح تعبر شيخوخة الأرصفة ، من أجل احتمالات اللقاء



وحــدهُ اللــقاء يقتــلُ جُثة الانتظـــار عندما يُداهمــه الوقت

الساعة ُ تغمرُ في حضنها الزمن  
الزمنُ دائرةٌ تدور حول خصر الساعة 
الاثنان ليلٌ ونهارٌ 
صباحٌ ومساءٌ
شمسٌ وقمرٌ
 عاشقان لنا ، يتقابلان ، ولكن لا يتلامســان


 في عيون الوقت نسيتُ مواعيدي ، حكاياتي المؤجلة ، روايــــتي التي لم تمسَّها شمسٌ ، ولم تر النور ، عششت أفكاري هناك ، بنيتُ بيتاً لأحلامي ، فنسيتُ أصابعي في عش أبيض  

لم يسألني قطار المسافة عن اسمــي ، فالمســافة لا تهمها الأسماء ، ولا تنظر للوجوه  
المسافهُ يهمها أن تهبَ قلبها للانتظــار  
 الانتظار الذي يقطع صمت المحطات بصافرة القدوم  !



الخميس، 9 فبراير 2017

الجندي







تهطل ذاكرتي بصور مباغثة

أحشو بها ...
ثقوب أوزون الوقت 
الذي توقف فجأة عن الدوران 
في ليبيا 
باتجاه غرينتش ...
ذلك الخط الذي يشقنا
إلى نصفين 
نصفٌ مهمته زراعة بذور الشر
في مسام المدن الطيبة 
ونصفٌ...
كلما نمت فيه بذرة سوداء 
حصدتْ روحا تضحك ــــــــ !
تهطلُ ذاكراتي ...
وحقول حنيني جافة 
لا ترويها إلا صور يحبها 
مطر هذه المدن 
صورٌ ..
تجعلني أعيد استنبات 
بذور روحي 
فوق خرائب المدن الصاعدة 
كصورة ذلك الجندي 
التي أزهرت فجأة في قلبي
وحررتني ....
 من سجونهم السرية .