الخميس، 29 يونيو 2017

ماذا فعلت بك الحرب يا بنغازي ؟









في الليل يتشرد إحساسي مني، يتجول بين أمم من الركام، وبقايا البيوت، بنايات طواها الغياب، وبنايات خرَّت من حنينها لأهلها، فسقطت مغشيا عليها من البكاء، جدران تهالكت من صدمات الرصاص، وجدران تحملت أوزار الكتابات، والشعارات العابرة فوق جسدها، لتقول حكاية المنسي الذي عبر من هنا...

يالهذا الليل الذي يطويك يا بنغازي، يالهذا الهول الذي تحملينه فوق أكتاف أهلك، يطوي سبخات الملح في قلبي، ويملأني  بأصباغ بياضها، لأرتل حنين هذه الوجوه التي أعتقها الحنين من طول الانتظار، فأخلى سبيلها من الأسر، ومن طول الشوق، ومن كأس الصبر، وجعلها كأسراب الطيور، تبحث عن ملاذها وعشها، من أجل أن تهبها رواية العشق عيون إلزا في معارج اغتراب الروح، ومنازل الاعتزال لحبيبة القلب...

ماذا فعل بك الليل، وبهذه البنايات التي وهبت قلبها للميناء، تطل على وجهه كل صباح من أجل هسيس حكايات الصبية، والصبيات، وتسترق الأسماع لهمس أعمدة الإنارة المتناثرة هنا وهناك، فكأن كاهل البحر كاهلي، وكأن هذه الشواطئ المغمورة بين كثبان الرمل هي قصص و حكايات لأمم  من الموج ذابت عند أول حلم رملي ..وكأن مرود الكحل أبى عيون الصبايا  بعدما تكحَّل ببياض حزنك، و كأني نسيت وجه حبيبي الغائب وراء أمم السحاب، فآثرت شكواك، و اخترت حزنك لأعجنه بتوحدي في شرنقة العتاب.
ماذا فعلت بك الحرب، وأين الشارع الذي كان يتلقاني برحابة صدره؟ أين أعمدة الإنارة التي كنت أبثها حديثي، أين رائحة النيهوم التي كانت تجذبني من بيتي، لأتوسط خصرك يا بنغازي، أين أحمد رفيق، و أين روح محمد الشلطامي،  أين ضحكات الفارهين بأرواحهم، والفارهات  بضحكاتهن ، الشاعرات والمشاكسين بأقلامهم، حين يعبرون خاصرة الميناء قبالة المنار... أين النورس ولماذا عمَّد أجنحته في طي الغياب، و تناسل مع أوجاع عامود الدخان المتصاعد من سمائك، كمدخنة حزينة...

ماذا فعلت بك يد الغدر، ونوايا المكر، وكيف غاب أنينك طي الركام، ماذا فعلوا بوجهك الأبيض، وكيف سرقوا الكحل من جفنيك، ولماذا كل هذا العجين المتكور من الأنين، تلال ألم تأكل طيبة محياك، وأطرافك المُعفرة برائحة الحناء؟؟؟

خطفت الحرب وجهك، وخبأت ضحكاتك في جوف الماء الضاحل، سرقت عطرك، وامتدت بوحشية لوردك البلدي شبابك، نالت من واجهتك، وثقافتك، وهويتك، لكنك بكل روح تعفرتْ بالملح، وبكل عدد سبخاتك ماز لت  بذات البياض، وذات الطعم، وذات المذاق، وذات النكهة، وذات البن، وذات القهوة.., مذاقات  ضائعة بين المكتبات، ورحاب سوق الحوت، وعالم سوق الجريد، وعطر البحر ينساب نثيثا من يسراك، وواجهة شمالك يا ماء الروح، وزيت سراجنا، و هواء حياتنا...

الليل فيك  تفاحة تقضمها الحرب من أطراف البحر، تغني أغنيتها على خصرك ، تسحب الوله والحب من عيون الفتية، لتضخَّ رماد أجسادهم وقوداً لوقاحة الرصاص، وأنين الموت، ورتم الحزن الذي يأنف مغادرة أوردتك...

مازلت تتسربين في روحي كالماء، تمتدين كأوردة البحر في جسدي، كما يفعل الصابري، والشابي، وجليانة، والسكابلي، شرايين أتعايش بها من تحت هضاب السبخات الممتدة  فوق ملامحك العتيقة، الصافية صفاء الملح ..النقية نقاء الماء...
ما زلت ذلك المزيج المجنون، العالق في متعة  الشبق والنسكافيه، ما زلت ذلك المذاق من الهوس والشغف، من الإلهام المتشاسع  في باحاتك العتيقة، ومآذنك الشامخة، وردهاتك صاحبة أطول رواية في تاريخ التمرد والشجاعة... سيدة الصباحات الليبية ..ملكة الأبدية في مواويل عشقنا الليبي الطويل...

يا الله...
خذ قلبي وهبها الحياة، خذ مني حلما بلقيا حبيبي، وامنحه لبنغازي حبيبة الكل، خذ مُنى حياتي، وكُفَّ عنها قطعان الذئاب التي أُطلقت ورائها  فعبرت ليل المدن لتجعل ليلنا يكبر في بنغازي، خذ منا أحلامنا، وما تيسر من هذيان أقلامنا، خذ ملحنا، ودقيق أيامنا، وزيت أفراحنا، ورائحة ذكرياتنا، ولا تحفل بمذاق دموعنا، فنحن نستدر نكهة الحياة من بياضها...
عبير الورد
15/06/2017

الأربعاء، 28 يونيو 2017

وحده النهر يفهمني





 

النهرُ الذي وهبني كتفيه
لأسند برأسي عليهما
كان وحيدا مثلي 
كشجرةٍ حافية في الخلاء  
يفتحُ عينيه لبياض اللوز
و يغزو بضحكاته الموجة 
التي تعرت ْ له   
فيما مضى كنتُ حبيبةَ لنورس
يجب أن أقول عنه حبيبي
أتذكرُ السلو 
الذي رقصناه للنهر تلك الليلة 
كان بطعم البوظة الشتوية 
قال لي : لو رقصنا زوربا  
وجعلنا ألمنا سواء 
مثل مشمشة مجففة 
لكنا نورسين يضمان حزن 
المدينة بين جناحيهما 
لكنه نسى أنَّ قدمه مبتورة 
مثل مقطع سعيد في رواية سوداوية 
نسي أنَّ البلاد التي نقيم فيها 
تحشو القطن في أفواهنا 
تخاطبنا بلهجات الرصاص
و تجعل صباحاتنا 
كصافرة قطار قديمة ومتآكلة  
النهرُ الذي وهبني كتفيه لأبكي عليهما
يعلم أنني بريئة من تهمة الدخان
الذي يأكل البياض من قلب المنارة 
ويتركُ في روحي صرخة باسم
من غادرني  
للملح والماء  
باسم من جعل فرحي طائراً مهاجرا 
في كل سماء 
باسم كافكا وهو يكتب كوابيسه 
باسم آنا أخماتوفا وسجائرها النافقة 
باسم بورخيس و أفكاره المتطرفة  
باسم القبلات التي يرميها النهر 
 في جوف البحر ويمضي

الخميس، 1 يونيو 2017

هذه البلاد تشبهنا








في هذه البلاد الممزوجة برائحة حزني
ارتأيتُ أن أطفيء النور 
و أسحب أنفاس الهواء إلى صدري 
حين تلمع عيناي بالدمع
وينصب الظلام خيامه البدائية فوق رأسي
ليس لدي ما أفعله ...
سوى أن أبتلع الجمل المتعثرة 
بحظوظ الحرب والرصاص ...
نسينا طعم الحب والأشياء الجميلة 
أحاديث الصباح التي تضج في البيوت 
 و مذاق الكعك الليبي ، ومزاجنا الضاحك 
لم يعد يهم أن نقول لبعضنا صباح الخير 
بعمق كبير.....
وكما لون الحليب الممزوج بلذة القهوة 
ربما المهم الآن هو تقشير الملل ...
ومتابعة مسلسل تركي من عدة أجزاء 
ريثما تنتهي حروبنا المقيتة ....
وتكفُّ ليبيا عن البكاء ...
في هذه البلاد التي تشبهنا جميعا 
تمنيت أن يشهق البحر موجتين في وجهي 
ويغسلني بملوحته حتى أتحول لسبخة 
تدفن أحزانها في بياض ملحها ....