الأحد، 23 أكتوبر 2016

قهوة







أحبُّ القهوة ...

التي تجرني إلى وجهك ....

 تتمايل الكلمات على خصرها

وتتساقط ركوة في بئر الفنجان

طرقات أعبرها حافية إليك ,,,,

أُلطخ قلبي بشبق الرائحة

أترنح ,,,,

أفقد وعيي عن صباحات العرب

والأخبار العاجلة ,,

وحبهم لاستكشاف المؤامرات

 ثم أغيب في زهايمر يأخذني لك 

أحبُّ القهوة

و أحبك ...

و أحبُّ الأرواح التي تلتهم وجهي في صفاء

تبحث في تفاصيلي ...

عن منابت طيبتي

وتغضُّ النظر عن عفويتي

أحبُّ أصابعك المتشققة

من الجفاف ..

أيُّها الأزدرخت القديم

البري ، الفوضوي

الذي ينفر صدره من الغبار

لكنه  مائدة تفرش باحتها لهوسي وجنوني ...

هذا جميل ..

مادمت كأشغال التريكو التي أدمنتها.....



الجمعة، 21 أكتوبر 2016

أريدُ طواحين هواء تدور من أجلي







*أحملُ علبة تلويني ، وفرشاة ، وقلم فحم ، ورصاص ، وجير ، ألفُّ شعري كعكة مدورة على قمة رأسي ، أنزع أقراطي ، أجهز روحي لطقوس الكتابة ، يغريني قلم الكحل الأسود ، فأخط به جفني ، و أمرره على الحسنة الخفيفة أعلى شفتي جهة اليسار ، ثم أكمل وضوئي الرومانسي بأحمر شفاه أحمر ، أجعله يبدو جاهزاً للفرح ، لطقوس الهروب ، لبساط ريح يحملني فوق كفيه ، أو كتفيه ، أو على رحاب صدره ، مالفرق ؟ ريثما تطلق الحياة سراحي ، سأكون قد أنشأتُ حقولي ، و أطلتُ في عمر نباتات ظلي ، و هذَّبت شعري دون الحاجة لصالون التجميل ، ريثما تطلق الحياة سراحي من عنق الزجاجة الذي علقنا فيه جميعاً ، سأشتري فستاناً بدون أكمام ، مصمم لامرأة سعيدة مثلي  ، أفكك أزراره ، و أترك للندوب التي تقبع في سكون الحرب فوق عنقي عارية ، يشهد على أنينها خواء عقول ساستنا  الرهيب  ،  سأشتري حلوى غزل البنات ، كطفلةٍ تنتظر البائع ، تحمل نقودها في انتظار العبور العظيم ، العبور الذي يتلخص في تلوين شفتيها بالأحمر ، أتناولها و أنا ممتنة للزمن الذي كفل سلامة البائع الجوال في حانة الشارع ...

*بكم يبيعون الضمير يا دون كيخوت ؟
أريدُ طاحونة هواء  تدور من أجلي ، تجعلني أعبر مسافات الحلم ،  أختصر دوران الطائرات الليبية حول العالم من أجل تحقيق التوافق ، في قرية ليبية صغيرة ، و أوفر مصاريف الفنادق الشاهقة والمترفة في مربوعة بسيطة لقروي حلمه العظيم وصول خط الانترنت لقريته  ، هذا الذي يستقيل من أجل سعادته عظماء السياسة في الغرب ، أريد طاحونة  تضخُّ الأموال الطائلة إليها ، وتبعثر أطباق السوشي الكاذبة ، لتضعني أمام  طبق ليبي شعبي ، نتحدث حوله بلغتنا البدائية ،وبملابسنا الشعبية  و نوجِّه أصابع الاتهام لبعضنا دون تكلف ، نعري جلودنا ،  ننزع الأقنعة المزيفة ، نُخرج الأزمات المختزلة في صدورنا ، الاحتقانات التي خلَّفتها الإبر المخدرة ، الجفاف ، والأكزيما ، والنزف ، والندوب ، والعار ، لنشتري ليبيا ...

* آآآه يا دون ....أريد حلماً نبيلا ً ، لا أحد يستطيع أن يسلبه مني ...
 يهبني السكون مقابل ابتسامة امتنان لا أهبها لأي كان ،  يحملني فوق مناكب حلم يتراءي لي فيه أنَّ ليبيا ملكة جمال الكون ، وتاج ملوك المدن ، و تمثال عشق ، و أيقونة الفرح في هذا العالم المليء بالأوجاع حتى نخاع الماء ....

 *أطلي مدينة الملح بلون السبخات الأبيض ، و أشرع النوافذ نحو الجهات ، أبني للطيور أعشاش فوق باحاتها العتيقة ، أُعطر شوارعها برائحة الحنين ، وحكايا السرد الشائقة ، أفتح بيوتها باباً باباً لأروي قصص البيوت الغائبة في عتمة الزمن ، لا أريد أن تغرق بلادي في الحزن ، وهي مازالت شابة صغيرة ، لا أريد أن ترتدي ليبيا عباءة ليست على مقاسها ، ولا ثوباً قماشه  مصنوع خارج حدودها .....

*من لي في هذا الليل غيرك ؟، أتعايش على صورته ، و أقتات الحياة من مضمون معانيه ، و أتسربل كحكاية  تمضي بين الأزقة ؟ ، لتسرد أمانيها في بساطة عميقة ، من لي بهيرودوت ليعيد على مسامعي كيف كانت ليبيا !، ويستحضر بين دفتي التاريخ الأرواح التي عبرت أزمنة  المجد الليبي ، وتركت أسماءها عالقة دون أن يطالها غبار النسيان ...!!

*من لي بكفِّ دافئة تعتقني من إصفرار هذا الخريف ؟، تعيدني من زمن الغياب إلى آنية الحضور ، تغربل ذكرياتي في ألبوم يحتويني ، وتحضرني في إحدى صفحاته صورة دون كيخوت ، وهو يطوي يقينه في قلبه ، ويمنح روحه لطاحونه تدور به في رحى الهواء النقي !؟

* سأهرب لمرافيء مهجورة ، كي آمن على قلبي الصغير من براثن الرهاب ، أتزين بإسوارة غدامسية ، أمتطي حصاناً أبيض ، أُطهر العالم بمسحوق الطيبة ، أنثرُ باقات الورد ، أطلق سراح اليمامات الأسيرة في أبراج المدن المحتلة ، أحرر المآذن الصامتة  ، الغارقة في دهشة تغير أحوال الائمة ، أزرع المزيد والمزيد من الياسمين ، و الريحان ، و الشماري ، و البطوم ، والخروب اللذيذ ، والإكليل ، والورد البلدي ، أُحيل حزن الشوارع النازفة إلى ابتسامات ، أتركها تنمو حتى  تتكدس ، و تملأ موانيء ليبيا ، ثم أشحنها للعالم ، و أكتب على صناديقها : ابتسامات فرح لعلاج حزن العالم ، مدة الصلاحية " مادام هنالك أمل ، بلد المنشأ : ليبيا ...

الأحد، 25 سبتمبر 2016

مخطوط





شفتاه دغل منسي 
من جوف غابات استوائية 
اكتناز مابين القوسين 
وما قبل فاصل اللغو 
وما بعد علامة إلخ ......
في طين الحواس 
المغمورة تحت سفوح الخطيئة 
مناجم معبأة بالتوق 
حقول فاان غوغ 
يقتبسني ..أجزاء ..أجزاء 
في ثانية ....
كأنها سنة ضوئية 
مهملة من أعمدة الدخان 
يترك عينيه عالقتين 
شرنقة تتوحدني 
فوق عنق صفصافة 
أو سرو وهبت قلبها لمدخنة 
في هذيان اللغة .....
حدقتان ل/ كهوف تاسيلي 
في حفرة الجفن 
تأريخ لأطلس رحلاتي الشتوية 
معزوفتان لشوبان 
متاهات مشفرة بألسنة الغياب 
و فصول رواية تاريخية 
بداياتي و بدايات البشرية 
قلبه مقبرة فرعونية 
أجساد وضحايا 
دفائن و أسرى و زوايا صوفية 
غرفة كاتمة للصوت 
سرابيلها قصائد عارية 
ماسوشية 
تُحرر أعشاش اللغة من فمي 
أعشاب خطاياي
وأصابعي المعجونة بالشوفان 
أحمر شفاهي البني 
قلم الكحل الأخضر ...
سرة الليل المحشوة في عيني 
و خلاياي السيتوبية

السبت، 24 سبتمبر 2016

سميرة






......
طائر أزرق 
خرج من علبة مجوهرات قديمة 
حاشية تتجهز لحفل العشاء الأخير
السيدة البدينة تكتب نصاً أيروسيا 
الخادمة تصلح قرطها القديم 
الفتاة العارية الوحيدة .
تحلق في  سقف العلبة 
تبتدع جناحا وتصله بغصن يحمل عشاً 
كل قبلة تخرج من شفاه سميرة 
تنبت عشا جديداً
فوق الملامح الصينية 
الصينيون لا يملكون قدما رفيعة كقدم سميرة
تدسها بين الشراشف الملونة  في ليلة مقمرة 
وفي الصباح تخرج فراشة  تحلق 
قرب النافذة العارية  من الزجاج 
تتململ بين أصابع الضوء 
ترتشفها على مهل 
تمتص تجاعيده .
ثم ترفل بهدوء قرب أنف سميرة 
المختلف المستدير
كشهوة غضَّة بلا قشور مخملية 
 تفاحة سقطت سهوا من اللغة 
مهملة من أنظمة النحو والممنوع من التقبيل
 ابتسامتها نانو في أنظمة التجريد
تشلح عن الرغبة  دثارها الشتوي 
تحيل المواسم لبرتقالة 
تقشر الملل بطلاء أظافر صيفي 
دانتيلا نهدها يدر النجوم 
تمنح الغرباء ليلة في بيت السعد 
تسحر  القمر بدراً مرة في الشهر 
تهبه قنديلا من إحدي عينيها 
وتغمز بالأخرى لحبيبها 
يغمس عجينه الطري في خمير انتظارها
يقرأ ندوب الحرب المفروشة على جسدها 
 سرة مارلين مونرو المقطوعة عن العوام 
خال سميرة توفيق المنسي فوق صدرها 
رائحة آخر فنجان قهوة عربية  في إسبانيا 
مضيق آخر لجبل طارق 
بين عامودين من ساق البامبو 
جدار فاصل بين غزة وتل أبيب
من خطوط السيلوليت فوق القفص الصدري
سنابل يوسف الغامرة 
بعد سنوات عجاف ...
هاهي توميء بالامتلاء 
كحقول قمح ترفل من ليل شعرها 
هذه النبية .....
المندسة  في آثار التراث 
أو ربما ثمرة شماري لم تنضج قبل التسعين 
جورية  مؤمنة بديانات  الزهور 
و دستور العصافير المهاجرة 
ووثائق  ليست من اللوفر و الكرملين 
واللحم المقدد و البيض النيء 
ليلة تسامر الليل بقبلة مستدامة 
ثم تغلق سقف السماء
 بأهدابها السوداء ........
س م ي ر ة  ....

الجمعة، 16 سبتمبر 2016

الأوليغارشيا اللذيذة !







 *تحولتُ لمخلوق ليلي، أخيطُ بإبرة الوقت زمناً على مقاسي الصغير، أراهن على رتق عيوب الحقبة الزمنية التي أعيشها بمهارة قلمي ،أصطنع لي حبيباً يعشقني حد الثمالة، فأكتبُ من أجله نصوصاً بسيف خشبي ، أهبهُ كل قصيدة لوناً مزهراً ، لعله ينبعث من بين السطور وطناً أُلقي إليه برأسي المرهق من التفكير ، أدوزن ألمي مثل إنسان حجري قديم ، يتأقلم مع نقص موارد الحياة ، ويسير وقد تعشَّبت روحه جراء تراكم غبار الزمن عليه .

*في غرفتي أنزوي وحيدة، أنزُّ ذاكرتي بمذاق الحنين، أتصور نفسي سعيدة ، أخرج من بيتنا للشارع الآمن ، أتبلل بالمطر ، أغتسل بالماء ، أتنفس بعمق ، أكتب قصائدي المجنونة والبرد يتسلل لأطرافي ، ويزحف مع قلمي نحو صدر ورقةٍ بياضها ناصع ، يخطُّ بأناملي المرتعشة كلماتي الحبيسة في سجون التوحد داخلي هنالك يقبع في صمت الكثير من كلامي ، يتدفق إحساسي بمجرد أن أرسم حدودي ومناطقي الجنونية ، أمارس هذياني ، على مدن تتراءى لي أسراب طيور مهاجرة من أعشاشها هاربة من قشعريرة البرد  .

*هربتُ لفترة من أسئلة ريكور عن كيفنا ولماذانا نحن هكذا ؟ وبقيتُ لفترة من الزمن أضحك من علاقتي المُكرسة ببول ريكور، أتذوق على طريقته كعك الأسئلة ، أقلب نظرية الحوار الليبي رأساً على عقب ، أراها بقلق هايدجر، أو تبسيط أرسطو ، أو مثالية أفلاطون ، أو أمررها لي لأستنسخ طريقة تفكيري بسوارين كيركجارد ، وقلبي ! قلبي هذا الذي يتفتت مثل عصفور طريد العاصفة ، يرتجف ، يئن من شدة الوجع ، يحتار في خيارات الإجابات عن كيف ولماذا لم نتفق ، ولم نتفاهم على الحلم ، ولم نجد طريقة لنسيان صوت الرصاص ؟ ولم نشعر بهؤلاء الشباب الذين ذابوا مثل كلوريد الصوديوم في إناء شراستنا الفكرية ، ولم نستطع أن نسمع العقل حين يرنو لديمقراطية  الأفعال ، ديمقراطية السلوك ، ديمقراطية الممارسة ..

*هآنذا أعلق في شص السؤال ، كسمكةٍ تائهة في بحر يتعرض للاستلاب ، تعبره جحافل الهجرة ، وتقصم ظهره تجارة البشر ، وتدير شواطئه وجوه غريبة ماردة هآنذا أسجل اعتراف قلمي ، أننا لم نصل بعد لإجابات ريكور ، و أن الحواريات الدائرة هي سقط متاع من تجربة المساواة والحرية ، و أن ثمة مرض تعانيه الأطراف ،  من تشنج فكري ، و تطرف في الرأي ، وبين سلطتين تشدان طرف الوطن إليهما ، نحن الطرف المفعول به الألم ، والمفعولة فيه الأزمات ، والمفعول معه التجربة الحوارية المشوهة المخاض  .

*سرحتُ بعقلي بعيداً عن كعك أسئلة ريكور  ، كان أرسطو يحيطني ، مثل طوق في عنق يمامة ، نجتْ من سرب غربان تحاصرها بالتعنت في الرأي ، والاستبداد بالسلطة ، والتعصب في إبداء وجهات النظر ، أحاول قراءة المشهد ، والأفكار ، والدكتاتورية المتشددة من الأقطاب المتنافرة، أقطاب همها أن تبقى ، تستمر ، تستعين بالعالم على بقائها ، أو بموارد المال على استمرارها ، أقطاب ليس لها رصيد في الوطن ، فكلها ملعونة من شعبها ، وكلها مأسوف على اختيارها .
 *هآنذا أسحبُ جنودي وأوراقي  ، ثقافتي المتهالكة من تعب البحث ، رسائلي التي أنهكها السفر ، قصائدي التي ذابت شوقا لحلم ليبيا ، مدني التي بنيتها على الرمل ، تعويذاتي التي تعلمتها من أجل بقاء وطني ، أشجاري الخضراء ، وزهوري ، ونباتات ظلي ......أتركُ لطوق أرسطو يحيط بي ، ويهمس في أذني قائلاً : يا عزة ، شعبكم لم يتخلص من  الاستبداد  بعد ...

كنتُ أتنهَّد و أنا أعلم أن شعب ليبيا منذ 1911 مازال يعاني من أوليغارشيا مستدامة .


ذات تاريخ و جهاد  .
16/9/2016

السبت، 10 سبتمبر 2016

يُمطــــرني







يُمطــــرني 
بكلمات الجفاء .....
يهطلُ يأسه علي ربيعي 
يحيلني لقطعة ثلجٍ....
يذرأُ نسياني لروحي 
حين يذكرني أنني منسية فيه !!
هنالك علي نافذتي 
يحطُّ صبري...
ويلوحُ لي انتظاري ..
وتنخلعُ أناتي مني ...
تتسحبُ لذاك الطيف الآتي 
كأنني على هامةٍ سامقةٍ 
عرجتُ بمشطى ...
وخططتُ لأحزاني ....
شوارعاً تنخرُ بعجزٍ في طرقات شعري .....!!!!
ماكنتُ أستبيح على جنون أمنياتي 
سوى امتطاء رغبةٍ 
تصهلُ في عمق جرحك 
وتصرخُ من كينونة الصدى 
تتبداك أمـــــلاً.....................................
وقتما كان الزمن 
ينظرُك بشوق الجموح ليأكل فيك 
جميل الأمنيات على سفح العمر .....!!
إننى تلك الأنثى التي حرَّمتْ مرود الكحل
من أنْ يخط َّجفنيها.....
و آنف جسدها العطر دونك 
وتبدَّتْ آمالها دخاناً....
حين سحقها وجعُ بعدك 
بين شفتيه .....
ريثما تشرقُ شمسُك 
ويلعقني ظلك بين أحضانه 
علي الجدران .....!!!!
إنَّ الحديث عن صمتك يطولُ
والحديثُ عن سفرك يستبيحُ 
ضحكاتي ....
وجوازات سفري...!
ويمزقُ أنحائى في غياهب مطموسة النسيان !!
بين وطنٍ للحب ....!
ووطنٍ للمنفى .....!
أيا كتاب أحزاني :
امطرني غيوماً ....!
انثرني قصيدةً حزينةً....
تقرأها عيناك من الهامش
و اهرقْ ماتبقى من كياني ....
اتركني انسابُ بين 
ثغرات شمعك الأحمر الممنوع 
حيثُ يقبعُ في صمتٍ باقي كلامي 



الجمعة، 2 سبتمبر 2016

و أمنحُ نباتات ظلي أسماء الملكات ........











و أمنحُ نباتات ظلي أسماء الملكات ........


ألملمُ ما تبقَّى من زجاجة العطر المكسورة، أغمس قطعة  القطن في السائل المُنساب على الأرض ، يهفُّ قلبي ، ويرتجي خاطري رائحة  الوطن ، كلما تذكرت ذلك ترتعش فرائصي، لتقع  فريسة الشك ، والحيرة ، يأخذني السرحان عن كينونة اللحظة و أعدو بذاكرتي وراء الصور ...

* الوقتُ عملةٌ صدئةٌ ، يرفض الكل التعامل بها ، الشحوبُ يعتلي التواريخ ، التاريخُ يلفظ أباه هيرودوت خارج زمنية الحياة في ليبيا ، شوهوا كتابات الجدران ، وكذَّبوا حقائق الأزل ، و شككوا في بنوة الليبي من تربة وطنه ،  الحوارات كالخبز اليابس ، تجفَّفتْ تحت الشمس ، حتى صارت هشَّة ، سهلة الكسر ، ظلي مفقودٌ من شخصي منذ 2011  يرتطم بالأرض كلما دفعه أحد لي  دفعته بعيدا عني ، بحجة أن روحي لا تتسع له معي ، أشجار تخرج من رأسي ، تنبت أسئلة تتعشب ، تتجه للأعلى ، يقولون أن (الأعلى) في بلادنا لا يرى سوى وجهه في المرآة ، لذا تتعثر أشجاري وتعود لتتقوقع داخل محيطها  أليس هذا ما فعلته بنا كلنا فبراير المجيدة ؟ جعلتنا نتعثر بظلالنا كلما تقدمنا أماماً ...

*هآنذا بين معقوفتين أضع سؤالي الكبير، لماذا لا يتفاهمون؟ لماذا لا يتركون المعادن، وصوت قرقعة السلاح، ويتجهون للإعلام، ويصرخون هناك في اتجاه معاكس على قدر ما يملكون من حناجر، لماذا لا يذهبون للصحراء، ويريحون رأسي من البحث عن مسكنات؟ لماذا لا يخلعون قمصانهم ويقيمون مباراة  البقاء للأقوى ، ويوفرون علينا الانتظار ، وتجرع الأزمات ، وتنفُّس ثاني أكسيد البكاء ، وثالث أكسجين الفقد ، سؤالي الكبير بحياتي وعمري أنا فتاة الجيل السبعيني ، المدفون تحت أنقاض الملكية ، و سجون  سبتمبر ، الجيل الذي تجرَّع زكام السياسة الليبية ، ودُفن حياً تحت ركام الزمن الذي سقط سهواً من جراب الساحر الكبير ، الجيل الذي كتب الرواية ، وتنفَّس الشعر ، وهرطق بمشاكله في المقالات ، وبين حكايات القصص ، فدخل السجون الفكرية ، جيل العتمة ، والزوايا القصية ، جيل الحانات المنزلية ، المثقف في الظلمة الذي أخرجه نور فبراير ولكن سرعان ما تلقفه غبار النخب العالقة بين الكراسي و أنقاض الوطن .

* يا  أنتم !!! ما زلتُ أكتب من هنا ...أصرخُ بلطف ،أنادي على نوميديا ، وآرتفيلا ، و جليانا ، وبرنيق ، وحدهن  ملكات في طباعهن، وعقولهن ، ودهائهن ،  وهبن عشقهن لليبيا ، ومنحن أعمارهن لروحها ، بلا كلل عملن من أجل التكريس لوجودها ....

* يا الله ...مازال  عطري ينساب على الأرض، يسترسل في زحفه ،  مازال الدم الليبي يسيل ، لكنه ليس عطراً، إنه شريان هذه الأرض، ونبضها، إنه ياسمين الشوارع، وغرس الحدائق المخضرة، إنه الورد البلدي، وساعد الوطن، ينزف كنفط ليبيا،  ويذهب هباء منثوراً بين أحلام الكراسي، وربطات العنق، بين آيات التحريم، وسُور الجهاد، بين شجب البيانات، وتأييد الحكومات، بين حاجب الفدية، وناطور الإخفاء القسري .                                                                                          
* أُحيل الحوارات الجوفاء، الممتلئة برائحة الرطوبة إلى خبز محمص، أغمسه في الزبد والعسل، ليبدو لذيذا ومفرحاً في صباحاتي المُبللة بحنين الوطن.

 * أنسى المشاجبات السياسية بين الأقطاب المتنافرة، أجلب بالونا ، وكمشعوذة أتمتم فيه بما تبادلوه من تهم وكلمات، ثم أصعد سطح بيتي وأنفخ البالون، أطيره في الهواء ليذهب النحس لدولة أخرى.

* أتابع أنباء الخطف ، والتورية خلف الأزقة  ، والإخفاء القسري لأبناء بلدي ، فأنزوي وحيدة متسائلة  عن كيفية قيام ليبيا من الخارج وهي في الداخل تعجُّ بطوابير النمل التي تلتهم سكان البيت ، أحاول أن أبتكر طريقة  لقياس عذرية الشمس ، التي ترمز للحريات ، للأبدية الإلهية فأقع في شراك الغربال ، الذي يقول لي يا سيدتي لا يمكن أن نتحجج بأي عذر ، إن بداية الدولة تعني بداية الإنسان داخلها ، وكل هذا هرج ومرج ، لا أملك أن أغطي به عين الشمس ...

* أقرأ في فيس بوك فتاوى دار الإفتاء، أتوجس شراً من انقطاع التيار الكهربي، فأسأل الله أن ينير عقلي، أهمُّ بأن أشعل شمعة ألعن بها الليل الدامس ، أرفع كفي الصغيرة كعجوز فتية وأقول  اللهم ثبِّت رؤيا المتحرين لدولة ليبيا ، اللهم لا تزغ أبصارهم وقلوبهم.
* ألملم ما تبقى لي من حلم ليبي ، فأجمع ما يمكنني من أزرار الوقت، لأداهم بها سلالة اليأس ،  أحشو جوف الليل بقمر يضيء القصيدة  في قلبي ، وينثر أشعار  الفضة  فوق صدر الوطن ، أزرع نبتة ظل جديدة ، أمنحها اسماً لشهيد جديد ، أجعل نباتات الظل متراصفة قرب بعض ، أقول لها أنتِ من هذه التربة ، وذلك الطين ، أنتِ ليبية ، فقط ليبية  ، أشعر حينها أنها تجفل وترمقني بعين السؤال ، آآه يبدو أن أفكار الوسوسة داهتمها هي أيضا ،  فأقول لها لا أريد أن أسمع أسماء جهوية ، أو مناطقية ، تردني عيون السؤال في أعين نباتاتي ، فأقول لهن أنتن ملكات ، آرتفيلا ، و نوميديا ، وبرنيق ، و إريناس ،أنتن أفضل من عشرات الرجال ، لأنكن قدمتن ليبيا للعالم دولة لا ينقص حواشيها حرف ، ولا يتجرأ كائن على النيل من اسمها بشائنة ، ترتفع أعناق نباتات ظلي أراها ترنو للضوء ، و أرنو ورائها لأرى ليبيا كما يزهو بها قلبي ...     

  مهما تحاولون أيُّها الساسة أن تطفئوا ضوء الحياة في قُرة العين ، ومهجة القلب ، لا تستطيعون أن تسلبوا من مواطنة عادية  حلم قيام ليبيا ، ليبيا التي بها أشعل ضوء قصائدي ، وكم اغتلتُ بنبالها من ألم ، حتى لا يزهو  لكم حزنها ....

عبير الورد 

ذات حوار مع نباتات ظلي